للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاهتداء. وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا من فُقَهَاء الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم، وَقد أمرنَا النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] بِالْأَخْذِ مِنْهَا بقوله عَلَيْهِ السَّلَام: " خُذُوا شطر دينكُمْ من الْحُمَيْرَاء ".

وَأما قَوْله: " إِنَّمَا يَسْتَقِيم لكم (التَّمَسُّك) بالأثر إِذا صرتم إِلَى فَسَاد الْعقْدَيْنِ "، فَنَقُول: الْحِكْمَة فِي فَسَاد العقد الثَّانِي أَن الثّمن الأول لم يدْخل فِي ضَمَان البَائِع، فَإِذا وصل الْمَبِيع إِلَيْهِ، وَوَقعت الْمُقَاصَّة بَقِي لَهُ فضل مِائَتَيْنِ بِلَا عوض، وَلَا كَذَلِك العقد الأول. وَيصِح لنا التَّمَسُّك بالأثر من غير أَن نصير إِلَى فَسَاد الْعقْدَيْنِ، فَإِن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا إِنَّمَا عابت عَلَيْهَا العقد الثَّانِي لحُصُول الرِّبَا فِيهِ.

فَإِن قيل: إِنَّمَا قَالَت: " بئس مَا شريت "، أَي بِعْت " وَبئسَ مَا اشْتريت "، وَقد باعت الْجَارِيَة أَولا ثمَّ اشترتها، وَالْعقد الأول كَانَ إِلَى أجل وَهُوَ الْعَطاء، وَيحْتَمل أَنه كَانَ مَجْهُولا ففسد العقد الأول بِجَهَالَة الْأَجَل، وَفَسَد الثَّانِي لكَونه بِنَاء عَلَيْهِ.

قيل لَهُ: لَو كَانَ كَمَا ذكرت، لم تكن فِي الثَّانِي مشترية، لِأَن العقد الأول إِذا كَانَ فَاسِدا كَمَا ذكرت فالجارية وَالدَّرَاهِم الَّتِي دفعتها إِلَيْهِ ملكا لَهَا، فَلم تكن مشترية لَا حَقِيقَة وَلَا شرعا، وَقد جَعلتهَا مشترية، فَدلَّ أَن كَلَامهَا كُله مَصْرُوف إِلَى العقد الثَّانِي. وَمعنى قَوْلهَا: " بئس مَا شريت وَمَا اشْتريت "، أَي بئس مَا أبدلت وَهُوَ الستمائة دِرْهَم، وَبئسَ مَا استبدلت وَهِي الْجَارِيَة. / وَهِي تسمى فِي (هَذَا) العقد الثَّانِي بائعة ومشترية، لِأَنَّهَا بائعة للدراهم ومشترية لِلْجَارِيَةِ، وَالْمُشْتَرِي يُسمى بَائِعا، قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: " البيعان بِالْخِيَارِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>