للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَسَعِيد بن الْمسيب، وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، لدلَالَة الْآيَة وَالْأُصُول عَلَيْهِ.

فدلالة الْآيَة من وُجُوه: الأول: (قَوْله عز وَجل) {وَامْرَأَة مُؤمنَة إِن وهبت نَفسهَا للنَّبِي إِن أَرَادَ النَّبِي أَن يستنكحها خَالِصَة لَك} ، فَلَمَّا أخبر فِي هَذِه الْآيَة أَن ذَلِك كَانَ خَالِصا لَهُ دون غَيره من الْمُؤمنِينَ مَعَ إِضَافَة لفظ الْهِبَة إِلَى الْمَرْأَة، دلّ ذَلِك أَن مَا خص بِهِ عَلَيْهِ السَّلَام من ذَلِك إِنَّمَا هُوَ اسْتِبَاحَة الْبضْع بِغَيْر بدل، لِأَنَّهُ لَو كَانَ المُرَاد اللَّفْظ لما شَاركهُ فِيهِ غَيره، لِأَن مَا كَانَ مَخْصُوصًا بِهِ وخالصا (لَهُ) فَغير جَائِز أَن يَقع بَينه وَبَين غَيره فِيهِ شركَة حَتَّى نساويه فِيهِ، إِذْ كَانَت مساواتهما فِي الشّركَة تزيل معنى التَّخْصِيص. فَلَمَّا أضَاف لفظ الْهِبَة إِلَى الْمَرْأَة، فَأجَاز (العقد مِنْهَا) بِلَفْظ الْهِبَة، علمنَا أَن التَّخْصِيص لم يَقع فِي اللَّفْظ وَإِنَّمَا كَانَ فِي الْمهْر.

فَإِن قيل: قد شاركته فِي حق جَوَاز تمْلِيك الْبضْع بِغَيْر عوض، وَلم يمْنَع ذَلِك خلوصها لَهُ فَكَذَلِك فِي لفظ العقد.

قيل لَهُ: هَذَا غلط، لِأَنَّهُ تَعَالَى أخبر أَنَّهَا خَالِصَة، وَإِنَّمَا جعل الخلوص فِيمَا هُوَ لَهُ، وَإِسْقَاط الْمهْر فِي العقد لَيْسَ لَهَا، وَلكنه عَلَيْهَا. فَلم يُخرجهُ ذَلِك من أَن يكون مَا جعل لَهُ خَالِصا لم تشركه فِيهِ الْمَرْأَة (وَلَا غَيرهَا) .

وَالْوَجْه الثَّانِي: {إِن أَرَادَ النَّبِي أَن يستنكحها} فَسمى العقد بِلَفْظ الْهِبَة نِكَاحا، فَوَجَبَ أَن يكون (الْكل وَاحِدًا) إِلَّا أَن يقوم دَلِيل الْخُصُوص. ثمَّ لما أشبه عقد النِّكَاح عُقُود التمليكات إِذْ كَانَ التَّوْقِيت يُفْسِدهُ وَجب أَن _ يجوز) بِلَفْظ التَّمْلِيك. وَالله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>