وَأما قَوْله تَعَالَى: {أَو لامستم النِّسَاء} فَفِيهِ قراءتان: الْمَدّ وَالْقصر، وَالْمدّ عَلَيْهِ أَكثر الْقُرَّاء، وَالْمُلَامَسَة المفاعلة، وَالْأَصْل أَن تكون بَين شَخْصَيْنِ فَيحمل على المجامعة.
قَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ: " إِن الله حييّ كريم كنى باللمس عَن الْجِمَاع ". وَقد صَحَّ أَن النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] دَعَا لَهُ فَقَالَ: " اللَّهُمَّ علمه الْكتاب "، وَدُعَاء النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] مستجاب، فيكاد الْعَاقِل يقطع بِمَا فسره من الْقُرْآن أَن يكون مُرَاد الله تَعَالَى، وَالْوَاجِب أَن تحمل الْآيَة على مَا فسره ابْن عَبَّاس، لِأَن الظَّاهِر أَن (الْحَكِيم) إِذا بَين الطَّهَارَة الصُّغْرَى وَالطَّهَارَة الْكُبْرَى حَال وجود المَاء أَن يبينهما حَال عدم المَاء، لِأَن بِالنَّاسِ حَاجَة إِلَى بَيَان ذَلِك، فَلَو حملت الْآيَة على الْجِمَاع كَانَ النَّص بَيَانا شافيا للطهارتين جَمِيعًا حَال عدم المَاء (لفا) لما (سبقه) من الْبَيَان الشافي لَهما حَال وجود المَاء، فَوَجَبَ أَن يحمل عَلَيْهِ دفعا لحَاجَة الْعباد، لَا أَن يحمل / على حدث بعد حدث فَتكون الْآيَة بَيَانا للطَّهَارَة الصُّغْرَى مرَّتَيْنِ، وإهمالا للطَّهَارَة الْكُبْرَى حَال عدم المَاء، مَعَ أَن الْعقل لَا يَهْتَدِي إِلَى قِيَاس الطَّهَارَة الْكُبْرَى على الطَّهَارَة الصُّغْرَى.
فَإِن قيل: لَيْسَ من اللَّازِم أَن تشْتَمل الْآيَة على (جَمِيع) الْأَحْكَام فِي بَاب وَاحِد حَتَّى لَا يشذ عَنْهَا شَيْء، بل يتَوَلَّى الْكتاب بَعْضهَا وَالسّنة بَعْضهَا، أَلا ترى أَن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute