الْأَحْكَام من أَوْصَاف الْأَجْنَاس حَتَّى يُؤَدِّي تَقْدِير رفع الحكم الثَّابِت إِلَى قلب المُرَاد مَكْرُوها وَالْحسن قبيحا، وَمن ذَلِك لَا يُفْضِي هَذَا الأَصْل إِلَى تَجْوِيز البداء على مَا سنصف البداء إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَلَو خضت فِي أَحْكَام الإرادات والقبح وَالْحسن لطال عَلَيْك تتبعه، وكنه ترى على شطر الْكَلَام، وَلَكِن الْمَقْصد تنبيهك على الْقَاعِدَة، فَنَقُول لخصومنا نَرَاكُمْ تصرحون بِأَن النّسخ لَيْسَ بِرَفْع الحكم الأول الثَّابِت، وَهَذَا إِنْكَار مِنْكُم لأصل النّسخ، وَذَلِكَ أَنكُمْ إذازعمتم أَن مِمَّا ثَبت فِي مَعْلُوم الله تَعَالَى من الْأَحْكَام لَا يجوز تَقْدِير ارتفاعه وزواله وَإِنَّمَا ثَبت بِمَا سميتموه نَاسِخا حكم مُجَدد، وَلَيْسَ هُوَ بنسخ إِذا، وَإِنَّمَا هُوَ تثبيت حكمين فِي وَقْتَيْنِ لَا يُنَافِي أَحدهمَا الثَّانِي وَلَا يناقضه بِحَال، فَلَا فرق بَين إِثْبَات حكمين لَا يتناقضان فِي وَقت وَاحِد، وَبَين إِثْبَات حكمين مُخْتَلفين فِي وَقْتَيْنِ، وَحَيْثُ انه لَا يُنَافِي فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَلَا يتَضَمَّن وَاحِد من الْحكمَيْنِ رفع الأول، وَلَكِن يتَبَيَّن أَن الأول لم يترفع بعد ثُبُوته، وَالثَّانِي لم يثبت نقيضا لَهُ، وَهَذَا تَصْرِيح بإنكار النّسخ، ثمَّ يُقَال لَهُم لَو كَانَ هَذَا نسخا لَكَانَ خطاب يتَضَمَّن تثبيت حكم مجددنسخا وَإِن لم يتَضَمَّن رفع مَا سبق، إِذْ إِذا اقْتضى تثبيت حكم على ابْتِدَاء.
[١١٩٣] وَمِمَّا يُوضح تناقضهم فِي حَدهمْ أَنهم قَالُوا: النّسخ هُوَ النَّص الدَّال على سُقُوط مثل الحكم االثابت ب بِالنَّصِّ الأول على وَجه لولاه لَكَانَ ثَابت.