وَقَالَ سُفْيَان وَسَأَلنَا الحضرميين فَقَالُوا لَا يَسْتَطِيع أحد أَن يبيت فِيهِ بِاللَّيْلِ
فَهَذَا جملَة مَا عَلمته فِي هَذَا القَوْل فَإِن أَرَادَ عبد الله بن عَمْرو بالجابية التَّمْثِيل والتشبيه وَأَنَّهَا تجمع فِي مَكَان فسيح يشبه الجابيه لسعته وَطيب هوائه فَهَذَا قريب وَإِن أَرَادَ نفس الْجَابِيَة دون سَائِر الأَرْض فَهَذَا لَا يعلم إِلَّا بالتوقيت وَلَعَلَّه مِمَّا تَلقاهُ عَن بعض أهل الْكتاب
فصل وَأما قَول من قَالَ إِنَّهَا تَجْتَمِع فِي الأَرْض الَّتِي قَالَ الله فِيهَا
{وَلَقَد كتبنَا فِي الزبُور من بعد الذّكر أَن الأَرْض يَرِثهَا عبَادي الصالحون} فَهَذَا إِن كَانَ قَالَه تَفْسِير الْآيَة فَلَيْسَ هُوَ تَفْسِيرا لَهَا
وَقد اخْتلف النَّاس فِي الأَرْض الْمَذْكُورَة هُنَا فَقَالَ سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس هِيَ أَرض الْجنَّة وَهَذَا قَول أَكثر الْمُفَسّرين وَعَن ابْن عَبَّاس قَول آخر أَنَّهَا الدُّنْيَا الَّتِي فتحهَا الله على أمة مُحَمَّد وَهَذَا القَوْل هُوَ الصَّحِيح وَنَظِيره قَوْله تَعَالَى فِي سروة النُّور {وعد الله الَّذين آمنُوا مِنْكُم وَعمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض كَمَا اسْتخْلف الَّذين من قبلهم} وَفِي الصَّحِيح عَن النَّبِي قَالَ زويت لي الأَرْض مشارقها وَمَغَارِبهَا وسيبلغ ملك أمتِي مَا زوى لي مِنْهَا
وَقَالَت طَائِفَة من الْمُفَسّرين المُرَاد بذلك أَرض بَيت الْمُقَدّس
وَهِي من الأَرْض الَّتِي أورثها الله عباده الصَّالِحين وَلَيْسَت الْآيَة مُخْتَصَّة بهَا
فصل وَأما قَول من قَالَ إِن أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ فِي عليين فِي السَّمَاء السَّابِعَة
وأرواح الْكفَّار فِي سِجِّين فِي الأَرْض السَّابِعَة فَهَذَا قَول قد قَالَه جمَاعَة من السّلف وَالْخلف وَيدل عَلَيْهِ قَول النَّبِي اللَّهُمَّ الرفيق الْأَعْلَى وَقد تقدم حَدِيث أَبى هُرَيْرَة أَن الْمَيِّت إِذا خرجت روحه عر ج بهَا إِلَى السَّمَاء حَتَّى يَنْتَهِي بهَا إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة الَّتِي فِيهَا الله عز وَجل وَتقدم قَول أَبى مُوسَى أَنَّهَا تصعد حَتَّى تَنْتَهِي إِلَى الْعَرْش وَقَول حُذَيْفَة أَنَّهَا مَوْقُوفَة عِنْد الرَّحْمَن وَقَول عبد الله بن عمر إِن هَذِه الْأَرْوَاح عِنْد الله وَتقدم قَول النَّبِي أَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء تأوي إِلَى قناديل تَحت الْعَرْش وَتقدم حَدِيث الْبَراء بن عَازِب أَنَّهَا تصعد من سَمَاء إِلَى سَمَاء ويشيعها من كل سَمَاء مقربوها حَتَّى يَنْتَهِي بهَا إِلَى السَّمَاء السَّابِعَة وَفِي لفظ إِلَى السَّمَاء الَّتِي فِيهَا الله عز وَجل
وَلَكِن هَذَا لَا يدل على استقرارها هُنَاكَ بل يصعد بهَا إِلَى هُنَاكَ للعرض على رَبهَا فَيقْضى فِيهَا أمره وَيكْتب كِتَابه من أهل عليين أَو من أهل سِجِّين ثمَّ تعود إِلَى الْقَبْر للمسألة ثمَّ ترجع إِلَى مقرها الَّتِي أودعت فِيهِ فأرواح الْمُؤمنِينَ فِي عليين بِحَسب مَنَازِلهمْ وأرواح الْكفَّار فِي سِجِّين بِحَسب مَنَازِلهمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute