فصل الْأَمر الْعَاشِر أَن الْمَوْت معاد وَبعث أول فَإِن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل
لِابْنِ آدم معادين وبعثين يجزى فيهمَا الَّذين أساءوا بِمَا عمِلُوا ويجزى الَّذين أَحْسنُوا بِالْحُسْنَى
فالبعث الأول مُفَارقَة الرّوح للبدن ومصيرها إِلَى دَار الْجَزَاء الأول
والبعث الثانى يَوْم يرد الله الْأَرْوَاح إِلَى أجسادها ويبعثها من قبورها إِلَى الْجنَّة أَو النَّار وَهُوَ الْحَشْر الثانى وَلِهَذَا فِي الحَدِيث الصَّحِيح وتؤمن بِالْبَعْثِ الآخر فَإِن الْبَعْث الأول لَا يُنكره أحد وَإِن أنكر كثير من النَّاس الْجَزَاء فِيهِ وَالنَّعِيم وَالْعَذَاب وَقد ذكر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَاتين القيامتين وهما الصُّغْرَى والكبرى فِي سُورَة الْمُؤمنِينَ وَسورَة الْوَاقِعَة وَسورَة الْقِيَامَة وَسورَة المطففين وَسورَة الْفجْر وَغَيرهَا من السُّور وَقد اقْتضى عدله وحكمته أَن جعلهَا دارى جَزَاء المحسن والمسىء وَلَكِن تَوْفِيَة الْجَزَاء إِنَّمَا يكون يَوْم الْمعَاد الثانى فِي دَار الْقَرار كَمَا قَالَ تَعَالَى {كل نفس ذائقة الْمَوْت وَإِنَّمَا توفون أجوركم يَوْم الْقِيَامَة}
وَقد اقْتضى عدله وأوجبت سماؤه الْحسنى وكماله الْمُقَدّس تنعيم أبدان أوليائه وأرواحهم وتعذيب أبدان أعدائه وأرواحهم فَلَا بُد أَن يُذِيق بدن الْمُطِيع لَهُ وروحه من النَّعيم واللذة مَا يَلِيق بِهِ وَيُذِيق بدن الْفَاجِر العاصى لَهُ وروحه من الْأَلَم والعقوبة مَا يسْتَحقّهُ هَذَا مُوجب عدله وحكمته وكماله الْمُقَدّس وَلما كَانَت هَذِه الدَّار دَار تَكْلِيف وامتحان لَا دَار جَزَاء لم يظْهر فِيهَا ذَلِك وَأما البرزخ فَأول دَار الْجَزَاء فَظهر فِيهَا من ذَلِك مَا يَلِيق بِتِلْكَ الدَّار وتقتضى الْحِكْمَة إِظْهَاره فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة الْكُبْرَى وَفِي أهل الطَّاعَة وَأهل الْمعْصِيَة مَا يستحقونه من نعيم الْأَبدَان والأرواح وعذابهما فعذاب البرزخ ونعيمه أول عَذَاب الْآخِرَة وَنَعِيمهَا وَهُوَ مُشْتَقّ مِنْهُ وواصل إِلَى أهل البرزخ هُنَاكَ كَمَا دلّ عَلَيْهِ الْقُرْآن وَالسّنة الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة فِي غير مَوضِع دلَالَة صَرِيحَة كَقَوْلِه فَيفتح لَهُ بَاب إِلَى الْجنَّة فيأتيه من روحها وَنَعِيمهَا وَفِي الْفَاجِر فَيفتح لَهُ بَاب إِلَى النَّار فيأتيه من حرهَا وسمومها وَمَعْلُوم قطعا ان الْبدن يَأْخُذ حَظه من هَذَا الْبَاب كَمَا تَأْخُذ الرّوح حظها فَإِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة دخل من ذَلِك الْبَاب إِلَى مَقْعَده الذى هُوَ دَاخله وَهَذَانِ البابان يصل مِنْهُمَا إِلَى العَبْد فى هَذِه الدَّار أثر خَفِي مَحْجُوب بالشواغل والغوشي الحسية والعوارض وَلَكِن يحس بِهِ كثير من النَّاس وَإِن لم يعرف سَببه وَلَا يسحن التَّعْبِير عَنهُ فوجود الشَّيْء غير الاحساس بِهِ وَالتَّعْبِير عَنهُ فَإِذا مَاتَ كَانَ وُصُول ذَلِك الْأَثر إِلَيْهِ من ذَيْنك الْبَابَيْنِ أكمل فَإِذا بعث كمل وصل ذَلِك الْأَثر إِلَيْهِ فحكمة الرب تَعَالَى منتظمة لذَلِك أكمل انتظام فِي الدّور الثَّلَاث
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute