وَلَا يَتْرُكهَا حَتَّى إِذا فَاتَت طلبَهَا فَهُوَ لَا يطْلب الْأُمُور فِي أدبارها وَلَا قبل وَقتهَا بل إِذا حضر وَقتهَا بَادر إِلَيْهَا ووثب عَلَيْهَا وثوب الْأسد على فريسته فَهُوَ بِمَنْزِلَة من يُبَادر إِلَى أَخذ الثَّمَرَة وَقت كَمَال نضلها وإدراكها
والعجلة طلب أَخذ الشَّيْء قبل وقته فَهُوَ لشدَّة حرصه عَلَيْهِ بِمَنْزِلَة من يَأْخُذ الثَّمَرَة قبل أَوَان إِدْرَاكهَا كلهَا فالمبادرة وسط بَين خلقين مذمومين أَحدهمَا التَّفْرِيط والإضاعة وَالثَّانِي الاستعجال قبل الْوَقْت وَلِهَذَا كَانَت العجلة من الشَّيْطَان فَإِنَّهَا خفَّة وطيش وحدة فِي العَبْد تَمنعهُ من التثبت وَالْوَقار والحلم وتوجب لَهُ وضع الْأَشْيَاء فِي غير موَاضعهَا وتجلب عَلَيْهِ أنواعا من الشرور وتمنعه أنواعا من الْخَيْر وَهِي قرين الندامة فَقل من استعجل إِلَّا نَدم كَمَا أَن الكسل قرين الْفَوْت والإضاعة
فصل وَالْفرق بَين الْأَخْبَار بِالْحَال وَبَين الشكوى وَإِن اشتبهت صورتهما ان
الْأَخْبَار بِالْحَال يقْصد الْمخبر بِهِ قصدا صَحِيحا من علم سَبَب إدانته أَو الِاعْتِذَار لِأَخِيهِ من أَمر طلبه مِنْهُ أَو يحذرهُ من الْوُقُوع فِي مثل مَا وَقع فِيهِ فَيكون ناصحا بإخباره لَهُ أَو حمله على الصَّبْر بالتأسي بِهِ كَمَا يذكر عَن الْأَحْنَف أَنه شكا إِلَيْهِ رجل شكوى فَقَالَ يَا ابْن أخي لقد ذهب ضوء عَيْني من كَذَا وَكَذَا سنة فَمَا أعلمت بِهِ أحدا فَفِي ضمن هَذَا الْأَخْبَار من حمل الشاكي على التأسي وَالصَّبْر مَا يُثَاب عَلَيْهِ الْمخبر وَصورته صُورَة الشكوى وَلَكِن الْقَصْد ميز بَينهمَا وَلَعَلَّ من هَذَا قَول النَّبِي لما قَالَت عَائِشَة وارأساه فَقَالَ بل أَنا وارأساه أَي الوجع الْقوي بِي