للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جوارهما ملتجئ إِلَى الله من حَبسه فِي سجنهما فِي الدُّنْيَا فَيحْبس مَعهَا بعد الْمَوْت وَيَوْم الْقِيَامَة فَإِن الْمَرْء مَعَ قرينه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة فَلَمَّا سمع الْوَعيد ارتحل من مجاورة جَار السوء فِي الدَّاريْنِ فَأعْطى اسْم الْخَائِف وَلما سمع الْوَعْد امْتَدَّ واستطار شوقا وفرحا بالظفر بِهِ فَأعْطى اسْم الراجي وحالاه متلازمان لَا يَنْفَكّ عَنْهُمَا فَكل راج خَائِف من فَوَات مَا يرجوه كَمَا أَن كل خَائِف راج أَمنه مِمَّا يخَاف فَلذَلِك تداول الاسمان عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى {مَا لكم لَا ترجون لله وقارا} قَالُوا فِي تَفْسِيرهَا لَا تخافون لله عَظمَة وَقد تقدم أَن سُبْحَانَهُ طوى الرَّجَاء إِلَّا عَن الَّذين آمنُوا وَهَاجرُوا وَجَاهدُوا وَقد فسر النَّبِي الْإِيمَان بِأَنَّهُ ذُو شعب وأعمال ظَاهِرَة وباطنة وَفسّر الْهِجْرَة بِأَنَّهَا هجر مَا نهى الله عَنهُ وَالْجهَاد بِأَنَّهُ جِهَاد النَّفس فِي ذَات الله فَقَالَ الْمُهَاجِرين من هجر مَا نهى الله عَنهُ والمجاهد من جَاهد نَفسه فِي ذَات الله وَالْمَقْصُود بِأَن الله سُبْحَانَهُ جعل أهل الرَّجَاء من آمن وَهَاجَر وجاهد وَأخرج من سواهُم من هَذِه الْأُمَم

وَأما الْأَمَانِي فَإِنَّهَا رُءُوس أَمْوَال المفاليس أخرجوها فِي قالب الرَّجَاء وَتلك أمانيهم وَهِي تصدر من قلب تزاحمت عَلَيْهِ وساوس النَّفس فاظلم من دخانها فَهُوَ يسْتَعْمل قلبه فِي شهواتها وَكلما فعل ذَلِك منته حسن الْعَاقِبَة والنجاة وإحالته على الْعَفو وَالْمَغْفِرَة وَالْفضل وَأَن الْكَرِيم لَا يَسْتَوْفِي حَقه وَلَا تضره الذُّنُوب وَلَا تنقصه الْمَغْفِرَة ويسمي ذَلِك رَجَاء وَإِنَّمَا هُوَ وسواس وأماني بَاطِلَة تقذف بهَا النَّفس إِلَى الْقلب الْجَاهِل فيستريح إِلَيْهَا قَالَ تَعَالَى {لَيْسَ بأمانيكم وَلَا أماني أهل الْكتاب من يعْمل سوءا يجز بِهِ وَلَا يجد لَهُ من دون الله وليا وَلَا نَصِيرًا} فَإِذا ترك العَبْد ولَايَة الْحق ونصرته ترك الله ولَايَته ونصرته وَلم يجد لَهُ من دون الله وليا وَلَا نَصِيرًا وَإِذا ترك ولَايَته ونصرته تولته نَفسه والشيطان فصارا وليين لَهُ ووكل نَفسه فَصَارَ انتصاره لَهَا بَدَلا من نصْرَة الله وَرَسُوله فاستبدل بِولَايَة الله ولَايَة نَفسه وشيطانه وبنصرته نصْرَة نَفسه هَوَاهُ فَلم يدع للرجاء موضعا فَإِذا قَالَت لَك النَّفس أَنا فِي مقَام الرَّجَاء فطالبها بالبرهان وَقل هَذِه أُمْنِية فهاتوا برهانكم إِن كُنْتُم صَادِقين فالكيس يعْمل أَعمال الْبر على الطمع والرجاء والأحمق الْعَاجِز يعطل أَعمال الْبر ويتكل على الْأَمَانِي الَّتِي يسميها رَجَاء وَالله الْمُوفق

فصل وَالْفرق بَين التحدث بنعم الله وَالْفَخْر بهَا أَن المتحدث بِالنعْمَةِ مخبر

عَن صِفَات وَلها ومحض جوده وإحسانه فَهُوَ مثن عَلَيْهِ بإظهارها والتحدث بهَا شاكرا لَهُ ناشرا لجَمِيع مَا أولاه مَقْصُود بذلك إِظْهَار صِفَات الله ومدحه وَالثنَاء وَبعث النَّفس على الطّلب مِنْهُ دون غَيره وعَلى محبته ورجائه فَيكون رَاغِبًا إِلَى الله بِإِظْهَار نعمه ونشرها والتحدث بهَا

<<  <   >  >>