وَهُوَ يُؤْكَل وسمعوا حنين الْجذع الْيَابِس فِي الْمَسْجِد فاذا كَانَت هَذِه الاجسام فِيهَا الاحساس والشعور فالأجسام الَّتِي كَانَت فِيهَا الرّوح والحياة أولى بذلك وَقد أشهد الله سُبْحَانَهُ عباده فِي هَذِه الدَّار إِعَادَة حَيَاة كَامِلَة إِلَى بدن قد فارقته الرّوح فَتكلم وَمَشى وَأكل وَشرب وَتزَوج وَولد لَهُ كَالَّذِين خَرجُوا من دِيَارهمْ وهم أُلُوف حذر الْمَوْت فَقَالَ لَهُم الله موتوا ثمَّ أحياهم أَو كالذى مر على قَرْيَة وهى خاوية على عروشها قَالَ أَنى يحيى هَذِه الله بعد مَوتهَا فأماته الله مائَة عَام ثمَّ بَعثه قَالَ كم لَبِثت لَبِثت قَالَ لَبِثت يَوْمًا أَو بعض يَوْم وكقتيل بنى إِسْرَائِيل أَو كَالَّذِين قَالَ لمُوسَى {لن نؤمن لَك حَتَّى نرى الله جهرة} فأماتهم الله ثمَّ بَعثهمْ من بعد مَوْتهمْ وكأصحاب الْكَهْف وقصة إِبْرَاهِيم فِي الطُّيُور الاربعة فاذا أعَاد الْحَيَاة التَّامَّة إِلَى هَذِه الأجساد بعد مَا بردت بِالْمَوْتِ فَكيف يمْتَنع على قدرته الباهرة أَن يُعِيد إِلَيْهَا بعد مَوتهَا حَيَاة مَا غير مُسْتَقِرَّة يقْضى بهَا مَا أمره فِيهَا ويستنطقها بهَا ويعذبها أَو ينعمها بأعمالها وَهل إِنْكَار ذَلِك إِلَّا مُجَرّد تَكْذِيب وعناد وجحود وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
فصل الْأَمر التَّاسِع أَنه ينبغى أَن يعلم أَن عَذَاب الْقَبْر ونعيمه اسْم لعذاب
البرزخ ونعيمه وَهُوَ مَا بَين الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قَالَ تَعَالَى {وَمن ورائهم برزخ إِلَى يَوْم يبعثون} وَهَذَا البرزخ يشرف أَهله فِيهِ على الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وسمى عَذَاب الْقَبْر ونعيمه وَأَنه رَوْضَة أَو حُفْرَة نَار بِاعْتِبَار غَالب الْخلق فالمصلوب والحرق وَالْغَرق وأكيل السبَاع والطيور لَهُ من عَذَاب البرزخ ونعيمه قسطه الذى تَقْتَضِيه أَعماله وَإِن تنوعت أَسبَاب النَّعيم وَالْعَذَاب وكيفياتهما فقد ظن بعض الْأَوَائِل انه إِذا حرق جسده بالنَّار وَصَارَ رَمَادا وذرى بعضه فِي الْبَحْر وَبَعضه فِي الْبر فِي يَوْم شَدِيد الرّيح أَنه ينجو من ذَلِك فأوصى بنيه أَن يَفْعَلُوا بِهِ ذَلِك فَأمر الله الْبَحْر فَجمع مَا فِيهِ وَأمر الْبر فَجمع مَا فِيهِ ثمَّ قَالَ قُم فَإِذا هُوَ قَائِم بَين يدى الله فَسَأَلَهُ مَا حملك على مَا فعلت فَقَالَ خشيتك يَا رب وَأَنت أعلم فَمَا تلافاه أَن رَحمَه فَلم يفت عَذَاب البرزخ ونعيمه لهَذِهِ الْأَجْزَاء الَّتِي صَارَت فِي هَذِه الْحَال حَتَّى لَو علق الْمَيِّت على رُؤُوس الْأَشْجَار فِي مهاب الرِّيَاح لأصاب جسده من عَذَاب البرزخ حَظه ونصيبه وَلَو دفن الرجل الصَّالح فِي أتون من النَّار لأصاب جسده من نعيم البرزخ وروحه نصِيبه وحظه فَيجْعَل الله النَّار على هَذَا بردا وَسلَامًا والهواء على ذَلِك نَارا وسموما فعناصر الْعَالم ومواده منقادة لِرَبِّهَا وفاطرها وخالقها يصرفهَا كَيفَ يَشَاء وَلَا يستعصى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْء أَرَادَهُ بل هى طُلُوع مَشِيئَته مذللة منقادة لقدرته وَمن أنكر هَذَا فقد جحد رب الْعَالمين وَكفر بِهِ وَأنكر ربوبيته
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute