للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سكينَة وطمأنينة فَهُوَ من الْملك وَمَا أورث قلقا وإنزعاجا واضطرابا فَهُوَ من الشَّيْطَان فالإلهام الملكي يكثر فِي الْقُلُوب الطاهرة النقية الَّتِي قد استنارت بِنور الله فللملك بهَا اتِّصَال وَبَينه وَبَينهَا مُنَاسبَة فَإِنَّهُ طيب طَاهِر لَا يجاور إِلَّا قلبا يُنَاسِبه فَتكون لمة الْملك بِهَذَا الْقلب أَكثر من لمة الشَّيْطَان وَأما الْقلب المظلم الَّذِي قد اسود بِدُخَان الشَّهَوَات والشبهات فإلقاء الشَّيْطَان ولمة بِهِ أَكثر من لمة الْملك

فصل وَالْفرق بَين الاقتصاد وَالتَّقْصِير أَن الاقتصاد هُوَ التَّوَسُّط بَين طرفِي

الإفراط والتفريط وَله طرفان هما ضدان لَهُ تَقْصِير ومجاوزة فالمقتصد قد أَخذ بالوسط وَعدل عَن الطَّرفَيْنِ قَالَ تَعَالَى وَالَّذين إِذا أَنْفقُوا لم يُسْرِفُوا وَلم يقترُوا وَكَانَ بَين ذَلِك قواما وَقَالَ تَعَالَى وَلَا تجْعَل يدك مغلولة إِلَى عُنُقك وَلَا تبسطها كل الْبسط وَقَالَ تَعَالَى وكلوا وَاشْرَبُوا وَلَا تسرفوا وَالدّين كُله بَين هذَيْن الطَّرفَيْنِ بل الْإِسْلَام قصد بَين الْملَل وَالسّنة قصد بَين الْبدع وَدين الله بَين الغالي فِيهِ والجافي عَنهُ وَكَذَلِكَ الِاجْتِهَاد هُوَ بذل الْجهد فِي مُوَافقَة الْأَمر والغلو مجاوزته وتعديه وَمَا أَمر الله بِأَمْر إِلَّا وللشيطان فِيهِ نزغتان فَأَما إِلَى غلو ومجاوزة وغما إِلَى تَفْرِيط وتقصير وهما آفتان لَا يخلص مِنْهُمَا فِي الِاعْتِقَاد وَالْقَصْد وَالْعَمَل إِلَّا من مَشى خلق رَسُول الله وَترك أَقْوَال النَّاس وآراءهم لما جَاءَ بِهِ لَا من ترك مَا جَاءَ بِهِ لأقوالهم وآرائهم وَهَذَا أَن المرضان الخطران قد استوليا على أَكثر بني آدم وَلِهَذَا حذر السّلف مِنْهُمَا أَشد التحذير وخوفوا من بلَى بِأَحَدِهِمَا بِالْهَلَاكِ وَقد يَجْتَمِعَانِ فِي الشَّخْص الْوَاحِد كَمَا هُوَ الْحَال أَكثر الْخلق يكون مقصرا مفرطا فِي بعض دينه غَالِبا متجاوزا فِي بعضه وَالْمهْدِي من هداه الله

فصل وَالْفرق بَين النَّصِيحَة والتأنيب أَن النَّصِيحَة إِحْسَان إِلَى من تنصحه بِصُورَة

الرَّحْمَة لَهُ والشفقة عَلَيْهِ والغيرة لَهُ وَعَلِيهِ فَهُوَ إِحْسَان مَحْض يصدر عَن رَحْمَة ورقة وَمُرَاد الناصح بهَا وَجه الله وَرضَاهُ وَالْإِحْسَان إِلَى خلقه فيتلطف فِي بذلها غَايَة التلطف وَيحْتَمل أَذَى المنصوح ولائمته ويعامله مُعَاملَة الطَّبِيب الْعَالم المشفق الْمَرِيض المشبع مَرضا وَهُوَ يحْتَمل سوء خلقه وشراسته ونفرته ويتلطف فِي وُصُول الدَّوَاء إِلَيْهِ بِكُل مُمكن فَهَذَا شَأْن الناصح

وَأما المؤنب فَهُوَ رجل قَصده التَّعْبِير والإهانة وذم من أنبه وَشَتمه فِي صُورَة النصح فَهُوَ يَقُول لَهُ يَا فَاعل كَذَا وَكَذَا يَا مُسْتَحقّا الذَّم والإهانة فِي صُورَة نَاصح مُشفق وعلامة هَذَا أَنه

<<  <   >  >>