للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأى أَنه قد بَالغ فِي الإنعام عَلَيْهِ لَا ينْطَلق لَهُم وَجهه وَلَا يسعهم خلقه وَلَا يرى لأحد عَلَيْهِ حَقًا وَيرى حُقُوقه على النَّاس وَلَا يرى فَضلهمْ عَلَيْهِ وَيرى فَضله لَا يزْدَاد من الله إِلَّا بعدا وَمن النَّاس إِلَّا صغَارًا أَو بغضا

فصل وَالْفرق بَين الصيانة والتكبر أَن الصائن لنَفسِهِ بِمَنْزِلَة رجل قد لبس

ثوبا جَدِيدا نفى الْبيَاض ذَا ثمن فَهُوَ يدْخل بِهِ على الْمُلُوك فَمن دونهم فَهُوَ يصونه عَن الْوَسخ وَالْغُبَار والطبوع وأنواع الْآثَار إبْقَاء على بياضه ونقائه فتراه صَاحب تعزز وهروب من الْمَوَاضِع الَّتِي يخْشَى مِنْهَا عَلَيْهِ التلوث فَلَا يسمح بأثر وَلَا طبع وَلَا لوث يَعْلُو ثَوْبه وَإِن أَصَابَهُ شَيْء من ذَلِك على غرَّة بَادر إِلَى قلعة وإزالته ومحو أَثَره وَهَكَذَا الصائن لِقَلْبِهِ وَدينه ترَاهُ يجْتَنب طبوع الذُّنُوب وآثارها فَإِن لَهَا فِي الْقلب طبوعا وآثارا أعظم من الطبوع الْفَاحِشَة فِي الثَّوْب النقي للبياض وَلَكِن على الْعُيُون غشاوة أَن تدْرك تِلْكَ الطبوع فتراه يهرب من مظان التلوث ويحترس من الْخلق ويتباعد من تخالطهم مَخَافَة أَن يحصل لِقَلْبِهِ مَا يحصل للثوب الَّذِي يخالط الدباغين والذباحين والطباخين وَنَحْوهم

يخلاف صَاحب الْعُلُوّ فَإِنَّهُ وَإِن شابه هَذَا فِي تحرزه وتجنبه فَهُوَ يقْصد أَنِّي علو رقابهم ويجعلهم تَحت قدمه فَهَذَا لون وَذَاكَ لون

فصل وَالْفرق بَين الشجَاعَة والجرأة أَن الشجَاعَة من الْقلب وَهِي ثباته

واستقراره عِنْد المخاوف وَهُوَ خلق يتَوَلَّد من الصَّبْر وَحسن الظَّن فَإِنَّهُ مَتى ظن الظفر وساعده الصَّبْر ثَبت كَمَا أَن الْجُبْن يتَوَلَّد من سوء الظَّن وَعدم الصَّبْر فَلَا يظنّ الظفر وَلَا يساعده الصَّبْر وأصل الْجُبْن من سوء الظَّن ووسوسة النَّفس بالسوء وَهُوَ ينشأ من الرئة فَإِذا سَاءَ الظَّن ووسوست النَّفس بالسوء انتفخت الرئة فزاحمت الْقلب فِي مَكَانَهُ وضيقت عَلَيْهِ حَتَّى أزعجته عَن مستقره فَأَصَابَهُ الزلازل وَالِاضْطِرَاب لإزعاج الرئة لَهُ وتضييقها عَلَيْهِ وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمد وَغَيره عَن النَّبِي شَرّ مَا فِي الْمَرْء جبن خَالع وشح هَالِع فَسمى الْجُبْن خالعا لِأَنَّهُ يخلع الْقلب عَن مَكَانَهُ لانتفاخ السحر وَهُوَ الرئة كَمَا قلا أَبُو جهل لعتبة بن ربيعَة يَوْم بدر انتفخ سحرك فَإِذا زَالَ الْقلب عَن مَكَانَهُ ضَاعَ تَدْبِير الْعقل فَظهر الْفساد على الْجَوَارِح فَوضعت الْأُمُور على غير موَاضعهَا فالشجاعة حرارة الْقلب وغضبه وقيامه وانتصابه وثباته فَإِذا رَأَتْهُ الْأَعْضَاء كَذَلِك أعانته فَإِنَّهَا خدم لَهُ وجنود كَمَا أَنه إِذا ولى ولت سَائِر جُنُوده

<<  <   >  >>