فصل فَأَما قَوْلهم أَن الْعُقَلَاء متفقون على قَوْلهم الرّوح والجسم وَالنَّفس
والجسم وَهَذَا يدل على تغايرهما فَالْجَوَاب أَن يُقَال أَن مُسَمّى الْجِسْم فِي اصْطِلَاح المتفلسفة والمتكلمين أَعم من مُسَمَّاهُ فِي لُغَة الْعَرَب وَعرف أهل الْعرف فَإِن الفلاسفة يطلقون الْجِسْم على قَابل الأبعاد الثَّلَاثَة خَفِيفا كَانَ أَو ثقيلا مرئيا كَانَ أَو غير مرئي فيسمون الْهَوَاء جسما وَالنَّار جسما وَالْمَاء جسما وَكَذَلِكَ الدُّخان والبخار والكوكب وَلَا يعرف فِي لُغَة الْعَرَب تَسْمِيَة شَيْء من ذَلِك جسما التة فَهَذِهِ لغتهم وأشعارهم وَهَذِه النقول عَنْهُم فِي كتب اللُّغَة قَالَ الْجَوْهَرِي قَالَ أَبُو زيد الْجِسْم الْجَسَد وَكَذَلِكَ الجسمان والجثمان قَالَ الْأَصْمَعِي الْجِسْم والجسمان الْجَسَد والجثمان الشَّخْص وَقد جسم الشَّيْء أَي عظم فَهُوَ عَظِيم جسيم وجسام بِالضَّمِّ
وَنحن إِذا سمينا النَّفس جسما فَإِنَّمَا هُوَ باصطلاحهم وَعرف خطابهم وَإِلَّا فَلَيْسَتْ جسما بِاعْتِبَار وضع اللُّغَة ومقصودنا بِكَوْنِهَا جسما إِثْبَات الصِّفَات وَالْأَفْعَال وَالْأَحْكَام الَّتِي دلّ عَلَيْهَا الشَّرْع وَالْعقل والحس من الْحَرَكَة والانتقال والصعود وبنزول ومباشرة النَّعيم وَالْعَذَاب واللذة والألم وَكَونهَا تحبس وَترسل وتقبض وَتدْخل وَتخرج فَلذَلِك أطلقنا عَلَيْهَا اسْم الْجِسْم تَحْقِيقا لهَذِهِ الْمعَانِي وَإِن لم يُطلق عَلَيْهَا أهل اللُّغَة اسْم الْجِسْم فَالْكَلَام مَعَ هَذِه الْفرْقَة المبطلة فِي الْمَعْنى لَا فِي اللَّفْظ فَقَوْل أهل التخاطب الرّوح والجسم هُوَ بِهَذَا الْمَعْنى
فصل وَأما الشُّبْهَة الثَّانِيَة فَهِيَ أقوى شبههم الَّتِي بهَا يصلونَ وَعَلَيْهَا يعولون
وَهِي مبلية على أَربع مُقَدمَات
إِحْدَاهَا أَن فِي الْوُجُود مَا لَا يقبل الْقِسْمَة بِوَجْه من الْوُجُوه
الثَّانِيَة أَنه يُمكن الْعلم بِهِ
الثَّالِثَة أَن الْعلم بِهِ غير منقسم
الرَّابِعَة أَنه يجب أَن يكون مَحل للْعلم بِهِ كَذَلِك إِذْ لَو كَانَ جسما لَكَانَ منقسما
وَقد نازعهم فِي ذَلِك جُمْهُور الْعُقَلَاء وَقَالُوا لم تُقِيمُوا دَلِيلا على أَن فِي الْوُجُود مَا لَا يقبل الْقِسْمَة الْحِسْبَة وَلَا الوهمية وَإِنَّمَا بِأَيْدِيكُمْ دُعَاء لَا حَقِيقَة لَهَا وَإِنَّمَا أثبتموه من وَاجِب الْوُجُود وَهُوَ بِنَاء على أصلكم الْبَاطِل عِنْد جَمِيع الْعُقَلَاء من أهل الْملَل وَغَيرهم من انكار مَاهِيَّة الرب
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute