فينفخ فِيهِ فَإِذا نفخ فِيهِ كَانَ ذَلِك سَبَب حُدُوث الرّوح فِيهِ وَلم يقل يُرْسل الْملك إِلَيْهِ بِالروحِ فيدخلها فِي بدنه وَإِنَّمَا أرسل إِلَيْهِ الْملك فأحدث فِيهِ الرّوح بنفخته فِيهِ لَا أَن الله سُبْحَانَهُ أرسل إِلَيْهِ الرّوح الَّتِي كَانَت مَوْجُودَة قبل ذَلِك بِالزَّمَانِ الطَّوِيل مَعَ الْملك فَفرق بَين أَن يُرْسل إِلَيْهِ ملك ينْفخ فِيهِ الرّوح وَبَين أَن يُرْسل إِلَيْهِ روح مخلوقة قَائِمَة بِنَفسِهَا مَعَ الْملك وَتَأمل مَا دلّ عَلَيْهِ النَّص من هذَيْن الْمَعْنيين وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
الْمَسْأَلَة التَّاسِعَة عشرَة
وَهِي مَا حَقِيقَة النَّفس هَل هِيَ جُزْء من أَجزَاء الْبدن أَو عرض من أعراضه أَو جسم مسَاكِن لَهُ مُودع فِيهِ أَو جَوْهَر مُجَرّد وَهل هِيَ الرّوح أَو غَيرهَا وَهل الْإِمَارَة واللوامة والمطمئنة نفس وَاحِدَة لَهَا هَذِه الصِّفَات أم هِيَ ثَلَاث أنفس
فَالْجَوَاب أَن هَذِه مسَائِل قد تكلم النَّاس فِيهَا من سَائِر الطوائف واضطربت أَقْوَالهم فِيهَا وَكثر فِيهَا خطؤهم وَهدى الله أَتبَاع الرَّسُول أهل سنته لما اخْتلفُوا فِيهِ من الْحق بِإِذْنِهِ وَالله يهدى من يَشَاء إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم فَنَذْكُر أَقْوَال النَّاس وَمَا لَهُم وَمَا عَلَيْهِم فِي تِلْكَ الْأَقْوَال وَنَذْكُر الصَّوَاب بِحَمْد الله وعونه
قَالَ أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ فِي مقالاته اخْتلف النَّاس فِي الرّوح وَالنَّفس والحياة وَهل الرّوح هِيَ الْحَيَاة أَو غَيرهَا وَهل الرّوح جسم أم لَا فَقَالَ النظام الرّوح هِيَ جسم وَهِي النَّفس وَزعم أَن الرّوح حَيّ بِنَفسِهِ وَأنكر أَن تكون الْحَيَاة وَالْقُوَّة معنى غير الْحَيّ الْقوي وَقَالَ آخَرُونَ الرّوح عرض
وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُم جَعْفَر بن حَرْب لَا نَدْرِي الرّوح جَوْهَر أَو عرض كَذَا قَالَ وَاعْتَلُّوا فِي ذَلِك بقوله تَعَالَى {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي} وَلم يخبر عَنْهَا مَا هِيَ لَا أَنَّهَا جَوْهَر وَلَا عرض قَالَ وأظن جعفرا أثبت أَن الْحَيَاة غير الرّوح أثبت أَن الْحَيَاة عرضا
وَكَانَ الجبائي يذهب إِلَى أَن الرّوح جسم وَأَنَّهَا غير الْحَيَاة والحياة عرض ويعتل بقول أهل اللُّغَة خرجت روح الْإِنْسَان وَزعم أَن الرّوح لَا تجوز عَلَيْهَا الْأَعْرَاض
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute