للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَالَت فرقة أُخْرَى هَذَا اللوم يَوْم الْقِيَامَة فَإِن كل أحد يلوم نَفسه إِن كَانَ مسيئا على إساءته وَإِن كَانَ محسنا على تَقْصِيره

وَهَذِه الْأَقْوَال كلهَا حق وَلَا تنَافِي بَينهَا فَإِن النَّفس مَوْصُوفَة بِهَذَا كُله وبإعتباره سميت لوامة وَلَكِن اللوامة نَوْعَانِ

لوامة ملومة وَهِي النَّفس الجاهلة الظالمة الَّتِي يلومها الله وَمَلَائِكَته

ولوامة غير ملومة وَهِي الَّتِي لَا تزَال تلوم صَاحبهَا على تَقْصِيره فِي طَاعَة الله مَعَ بذله جهده فَهَذِهِ غير ملومة وأشرف النُّفُوس من لامت نَفسهَا فِي طَاعَة الله واحتملت ملام اللائمين فِي مرضاته فَلَا تأخذها فِيهِ لومة لائم فَهَذِهِ قد تخلصت من لوم الله وَأما من رضيت بأعمالها وَلم تلم نَفسهَا وَلم تحْتَمل فِي الله ملام اللوام فَهِيَ الَّتِي يلومها الله عز وَجل

فصل وَأما النَّفس الأمارة فَهِيَ المذمومة فَإِنَّهَا الَّتِي تَأمر بِكُل سوء وَهَذَا من

طبيعتها إِلَّا مَا وفقها الله وثبتها وأعانها فَمَا تخلص أحد من شَرّ نَفسه إِلَّا بِتَوْفِيق الله لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى حاكيا عَن امْرَأَة الْعَزِيز وَمَا أبرىء نَفسِي إِن النَّفس لأمارة بالسوء إِلَّا مَا رحم رَبِّي إِن رَبِّي غَفُور رَحِيم وَقَالَ تَعَالَى وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته مَا زكا مِنْكُم من أحد أبدا وَقَالَ تَعَالَى لأكرم خلقه عَلَيْهِ وأحبهم إِلَيْهِ {وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاك لقد كدت تركن إِلَيْهِم شَيْئا قَلِيلا} وَكَانَ النَّبِي يعلمهُمْ خطْبَة الْحَاجة الْحَمد لله نحمده ونستعينه وَنَسْتَغْفِرهُ ونعوذ بِاللَّه من شرور أَنْفُسنَا وَمن سيئات أَعمالنَا من يهده الله فَلَا مضل لَهُ وَمن يضلله فَلَا هادي لَهُ فالشر كامن فِي لنَفس وَهُوَ يُوجب سيئات الْأَعْمَال فَإِن خلى الله بَين العَبْد وَبَين نَفسه هلك بَين شَرها وَمَا تَقْتَضِيه من سيئات الْأَعْمَال وَإِن وَفقه وأعانه نجاه من ذَلِك كُله فنسأل الله الْعَظِيم أَن يعيذنا من شرور أَنْفُسنَا وَمن سيئات أَعمالنَا

وَقد امتحن الله سُبْحَانَهُ الْإِنْسَان بِهَاتَيْنِ النفسين الأمارة واللوامة كَمَا أكْرمه بالمطمئنة فَهِيَ نفس وَاحِدَة تكون أَمارَة ثمَّ لوامة مطمئنة وَهِي غَايَة كمالها وصلاحها وأيد المطمئنة بِجُنُود عديدة فَجعل الْملك قرينها وصاحبها الَّذِي يَليهَا ويسددها ويقذف فِيهَا الْحق ويرغبها فِيهِ ويريها حسن صورته ويزجرها عَن الْبَاطِل ويزهدها فِيهِ ويريها قبح صورته وأمدها بِمَا علمهَا من الْقُرْآن والأذكار وأعمال الْبر وَجعل وُفُود الْخيرَات ومداد التَّوْفِيق تنتابها وَتصل إِلَيْهَا من كل نَاحيَة وَكلما تلقتها بِالْقبُولِ وَالشُّكْر وَالْحَمْد لله ورؤية أوليته فِي ذَلِك كُله ازْدَادَ مددها فتقوى على محاربة الْإِمَارَة فَمن جندها وَهُوَ سُلْطَان عساكرها وملكها الْإِيمَان وَالْيَقِين

<<  <   >  >>