الْمُحْتَاج والشيطان الْغرُور وَالنَّفس المغترة لم يَقع هُنَاكَ خلاف فالشياطين غروا المغترين بِاللَّه وأطمعوهم مَعَ إقامتهم على مَا يسْخط الله ويغضبه فِي عَفوه وتجاوزه وحدوثهم بِالتَّوْبَةِ لتسكن قُلُوبهم ثمَّ دافعوهم بالتسويف حَتَّى هجم الْأَجَل فَأخذُوا على أَسْوَأ أَحْوَالهم وَقَالَ تَعَالَى {وغرتكم الْأَمَانِي حَتَّى جَاءَ أَمر الله وغركم بِاللَّه الْغرُور} وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّاس إِن وعد الله حق فَلَا تغرنكم الْحَيَاة الدُّنْيَا وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور} واعظم النَّاس غرُورًا بربه من إِذا مَسّه الله برحمة مِنْهُ وَفضل قَالَ هَذَا لي أَي أَنا أَهله وجدير بِهِ ومستحق لَهُ ثمَّ قَالَ {وَمَا أَظن السَّاعَة قَائِمَة} فَظن أَنه أهل لما أولاه من النعم مَعَ كفره بِاللَّه ثمَّ زَاد فِي غروره فَقَالَ {وَلَئِن رجعت إِلَى رَبِّي إِن لي عِنْده للحسنى} يَعْنِي الْجنَّة والكرامة وَهَكَذَا تكون الْغرَّة بِاللَّه فالمغتر بالشيطان مغتر بوعوده وأمانيه وَقد ساعد اغتراره بدنياه وَنَفسه فَلَا يزَال كَذَلِك حَتَّى يتردى فِي آبار الْهَلَاك
فصل وَالْفرق بَين الرَّجَاء وَالتَّمَنِّي أَن الرَّجَاء يكون مَعَ بذل الْجهد واستفراغ
الطَّاقَة فِي الْإِتْيَان بِأَسْبَاب الظفر والفوز وَالتَّمَنِّي حَدِيث النَّفس بِحُصُول ذَلِك مَعَ تَعْطِيل الْأَسْبَاب الموصلة إِلَيْهِ قَالَ تَعَالَى {إِن الَّذين آمنُوا وَالَّذين هَاجرُوا وَجَاهدُوا فِي سَبِيل الله أُولَئِكَ يرجون رَحْمَة الله} فطوى سُبْحَانَهُ بِسَاط الرَّجَاء إِلَّا عَن هَؤُلَاءِ وَقَالَ المغترون إِن الَّذين ضيعوا أوامره وارتكبوا نواهيه وَاتبعُوا مَا أسخطه وتجنبوا مَا يرضيه أُولَئِكَ يرجون رَحمته وَلَيْسَ هَذَا ببدع من غرور النَّفس والشيطان لَهُم فالرجاء لعبد قد امْتَلَأَ قلبه من الْإِيمَان بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر فَمثل بَين عَيْنَيْهِ مَا وعده الله تَعَالَى من كرامته وجنته امْتَدَّ الْقلب مائلا إِلَى ذَلِك شوقا إِلَيْهِ وحرصا عَلَيْهِ فَهُوَ شَبيه بالماد عُنُقه إِلَى مَطْلُوب قد صَار نصب عَيْنَيْهِ وعلامة الرَّجَاء الصَّحِيح أَن الراجي يخَاف فَوت الْجنَّة وَذَهَاب حَظه مِنْهَا بترك مَا يخَاف أَن يحول بَينه وَبَين دُخُولهَا فَمثله مثل رجل خطب امْرَأَة كَرِيمَة فِي منصب شرف إِلَى أَهلهَا فَلَمَّا آن وَقت العقد واجتماع الْأَشْرَاف والأكابر وإتيان الرجل إِلَى الْحُضُور علم عَشِيَّة ذَلِك الْيَوْم ليتأهب الْحُضُور فتراه الْمَرْأَة وأكابر النَّاس فاخذ فِي التأهب والتزيين والتجميل فَأخذ من فضول شعره وتنظيف وتطيب وَلبس أجمل ثِيَابه وأتى إِلَى تِلْكَ الدَّار متقيا فِي طَرِيقه كل وسخ ودنس واثر يُصِيبهُ اشد تقوى حَتَّى الْغُبَار وَالدُّخَان وَمَا هُوَ دون ذَلِك فَلَمَّا وصل إِلَى الْبَاب رحب بِهِ رَبهَا وَمكن لَهُ فِي صدر الدَّار على الْفرش والوسائد ورمقته الْعُيُون وَقصد بالكرامة من كل نَاحيَة فَلَو أَنه ذهب بعد أَخذ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute