للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَن يستضام ويقهر وحمية للْعَبد الْمَنْسُوب إِلَى الْعَزِيز الحميد أَن يستذل فَهُوَ يُقَال للباغي عَلَيْهِ أَنا مَمْلُوك من لَا يذل مَمْلُوكه وَلَا يحب أَن يذله أحد وَإِذا كَانَت نَفسه الأمارة قَائِمَة على أُصُولهَا لم تحب بعد طلبه إِلَّا الانتقام والانتصار لحظها وظفرها بالباغي تشفيا فِيهِ وإذلالا لَهُ وَأما النَّفس الَّتِي خرجت من ذل حظها ورق هَواهَا إِلَى عز توحيدها وإنابتها إِلَى رَبهَا فَإِذا نالها الْبَغي قَامَت بالانتصار حمية ونصرة للعز الَّذِي أعزها الله بِهِ ونالته مِنْهُ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة حمية لِرَبِّهَا ومولاها وَقد ضرب لذَلِك مثلا بعبدين من عبيد الْغلَّة حراثين ضرب أَحدهمَا صَاحبه فنفا الْمَضْرُوب عَن الضَّارِب نصحا مِنْهُ لسَيِّده وشفقة على الضَّارِب أَنِّي عاقبه السَّيِّد فَلم يجشم سَيّده خلقه عُقُوبَته وإفساده بِالضَّرْبِ فَشكر الْعَافِي على عَفوه وَوَقع مِنْهُ بموقع وَعبد آخر قد أَقَامَهُ بَين يَدَيْهِ وجمله وَألبسهُ ثيابًا يقف بهَا بَين يَدَيْهِ فَعمد بعض سواس الدَّوَابّ وأضرابهم ولطخ تِلْكَ الثِّيَاب بالعذرة أَو مزقها فَلَو عَفا عَمَّن فعل بِهِ ذَلِك لم يُوَافق عَفوه رأى سَيّده وَلَا محبته وَكَانَ الِانْتِصَار أحب إِلَيْهِ وَوَافَقَ لمرضاته كَأَنَّهُ يَقُول إِنَّمَا فعل هَذَا بك جرْأَة عَليّ واستخفافا بسلطاني فَإِذا أمكنه من عُقُوبَته فأذله وقهره وَلم يبْق إِلَّا أَن يبطش بِهِ فذل وانكسر قلبه فَإِن سَيّده يحب مِنْهُ أَن لَا يُعَاقِبهُ لَحْظَة وَأَن يَأْخُذ مِنْهُ حق السَّيِّد فَيكون انتصاره حِينَئِذٍ لمحض حق سَيّده لَا لنَفسِهِ كَمَا روى عَن عَليّ رَضِي الله أَنه مر بِرَجُل فاستغاث بِهِ وَقَالَ هَذَا مَنَعَنِي حَقي وَلم يُعْطِنِي إِيَّاه فَقَالَ أعْطه حَقه فَلَمَّا جاوزهما لج الظَّالِم وَلَطم صَاحب الْحق فاستغاث بعلي فَرجع وَقَالَ أَتَاك الْغَوْث فَقَالَ لَهُ استقدمته فَقَالَ قد عَفَوْت يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ فَضَربهُ على تسع دور وَقَالَ قد عَفا عَنْك من لطمته وَهَذَا حق السُّلْطَان فعاقبه على لما اجترأ على سُلْطَان الله وَلم يَدعه وَيُشبه هَذَا قصَّة الرجل الَّذِي جَاءَ إِلَى أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ احملني فوَاللَّه لَا أَنا أَفرس مِنْك وَمن ابْنك وَعِنْده الْمُغيرَة بن شُعْبَة فحسر عَن ذراعه وصك بهَا أنف الرجل فَسَالَ الدَّم فجَاء قومه إِلَى أبي بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالُوا أقدنا من الْمُغيرَة فَقَالَ أَنا أقيدكم من وزعة الله لَا أقيدكم مِنْهُ فَرَأى أَبُو بكر أَن ذَلِك انتصار من المغير وحمية الله وللعز الَّذِي أعز بِهِ خَليفَة رَسُول الله ليتَمَكَّن بذلك الْعِزّ من حسن خِلَافَته وَإِقَامَة دينه فَترك قوده لاجترائه على عز الله وسلطانه الَّذِي أعز بِهِ رَسُوله وَدينه وخليفته فَهَذَا لون وَالضَّرْب حمية للنَّفس الأمارة لون

فصل وَالْفرق بَين سَلامَة الْقلب والبله والتغفل أَن سَلامَة الْقلب تكون من

عدم إِرَادَة الْبشر

<<  <   >  >>