للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَأما الْفَخر بِالنعَم فَهُوَ أَن يستطيل بهَا على النَّاس وَيُرِيهمْ أَنه أعز مِنْهُم وأكبر فيركب أَعْنَاقهم ويستعبد قُلُوبهم ويستميلها إِلَيْهِ بالتعظيم والخدمة قَالَ النُّعْمَان بن بشير إِن للشَّيْطَان مصالي وفخوخا وَإِن من مصاليه وفخوخه الْبَطْش بنعم الله وَالْكبر على عباد الله وَالْفَخْر بعطية الله فِي غير ذَات الله

فصل وَالْفرق بَين فَرح الْقلب وَفَرح النَّفس ظَاهر فَإِن الْفَرح بِاللَّه ومعرفته

ومحبته وَكَلَامه من الْقلب قَالَ تَعَالَى {وَالَّذين آتَيْنَاهُم الْكتاب يفرحون بِمَا أنزل إِلَيْك} فَإِذا كَانَ أهل الْكتاب يفرحون بِالْوَحْي فأولياء الله وَأَتْبَاع رَسُوله أَحَق بالفرح بِهِ وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذا مَا أنزلت سُورَة فَمنهمْ من يَقُول أَيّكُم زادته هَذِه إِيمَانًا فَأَما الَّذين آمنُوا فزادتهم إِيمَانًا وهم يستبشرون} وَقَالَ تَعَالَى قل بِفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هُوَ خير مِمَّا يجمعُونَ قَالَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ فضل الله الْقُرْآن وَرَحمته أَن جعلكُمْ من أَهله وَقَالَ هِلَال بن يسَاف فضل الله وَرَحمته الْإِسْلَام الَّذِي هدَاكُمْ إِلَيْهِ وَالْقُرْآن الَّذِي علمكُم هُوَ خير من الذَّهَب وَالْفِضَّة الَّذِي تجمعون وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَالْحسن وَقَتَادَة وَجُمْهُور الْمُفَسّرين فضل الله الْإِسْلَام وَرَحمته الْقُرْآن فَهَذَا فَرح الْقلب وَهُوَ من الْإِيمَان ويثاب عَلَيْهِ العَبْد فَإِن فرحه بِهِ يدل على رِضَاهُ بِهِ بل هُوَ فَوق الرِّضَا فالفرح بذلك على قدر محبته فَإِن الْفَرح إِنَّمَا يكون بالظفر بالمحبوب وعَلى قدر محبته يفرح بحصوله لَهُ فالفرح بِاللَّه وأسمائه وَصِفَاته وَرَسُوله وسنته وَكَلَامه مَحْض الْإِيمَان وصفوته ولبه وَله عبودية عَجِيبَة وَأثر الْقلب لَا يعبر عَنهُ فابتهاج الْقلب وسروره وفرحه بِاللَّه وأسمائه وَصِفَاته وَكَلَامه وَرَسُوله ولقائه أفضل مَا يعطاه بل هُوَ جلّ عطاياه والفرح فِي الْآخِرَة بِاللَّه ولقائه بِحَسب الْفَرح بِهِ ومحبته فِي الدُّنْيَا فالفرح بالوصول إِلَى المحبوب يكون على حسب قُوَّة الْمحبَّة وضعفها فَهَذَا شَأْن فَرح الْقلب وَله فَرح آخر وَهُوَ فرحه بِمَا من الله بِهِ عَلَيْهِ علمه من مُعَامَلَته وَالْإِخْلَاص لَهُ والتوكل عَلَيْهِ والثقة بِهِ وخوفه ورجائه بِهِ وَكلما تمكن فِي ذَلِك قوى فرحه وابتهاجه وَله فرحة أُخْرَى عَظِيمَة الوقع عَجِيبَة الشَّأْن وَهِي الفرحة الَّتِي تحصل لَهُ بِالتَّوْبَةِ فَإِن لَهَا فرحة عَجِيبَة لَا نِسْبَة لفرحة الْمعْصِيَة إِلَيْهَا الْبَتَّةَ فَلَو علم الْمعاصِي إِن لَذَّة التَّوْبَة وفرحتها يزِيد على لَذَّة الْمعْصِيَة وفرحتها أضعافا مضاعفة لبادر إِلَيْهَا أعظم من مبادرته إِلَى لَذَّة الْمعْصِيَة

<<  <   >  >>