الثَّالِث أَن حيّز النَّفس الْبدن وحيزه مَكَانَهُ الْمُنْفَصِل عَنهُ وَهَذَا لَيْسَ بتداخل مُمْتَنع فَإِذا فارقته صَار لَهَا حيّز آخر غير حيزه وَحِينَئِذٍ فَلَا يتداخلان بل يصير لكل مِنْهُمَا حيّز يَخُصُّهُ وَبِالْجُمْلَةِ فدخول الرّوح فِي الْبدن الطف من دُخُول المَاء فِي الثرى والدهن فِي الْبدن فَهَذِهِ الشُّبْهَة الْفَاسِدَة لَا يُعَارض بهَا مَا دلّ عَلَيْهَا نُصُوص الْوَحْي والأدلة الْعَقْلِيَّة وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
الْمَسْأَلَة الْعشْرُونَ وَهِي هَل النَّفس وَالروح شَيْء وَاحِد أَو شَيْئَانِ متغايران
فأختلف النَّاس فِي ذَلِك
فَمن قَائِل أَن مسماهما وَاحِد وهم الْجُمْهُور
وَمن قَائِل أَنَّهُمَا متغايران وَنحن نكشف سر الْمَسْأَلَة بحول الله وقوته فَنَقُول النَّفس تطلق على أُمُور
أَحدهَا الرّوح قَالَ الْجَوْهَرِي النَّفس الرّوح يُقَال خرجت نَفسه قَالَ أَبُو خرَاش
نجما سالما وَالنَّفس مِنْهُ بشدقه ... وَلم ينج إِلَّا جفن سيف ومئزر
أَي بجفن سيف ومئزر وَالنَّفس وَالدَّم قَالَ سَأَلت نَفسه وَفِي الحَدِيث مَالا نفس لَهُ سَائِلَة لَا ينجس المَاء إِذا مَاتَ فِيهِ وَالنَّفس الْجَسَد
قَالَ الشَّاعِر
نبئت أَن بني تَمِيم أدخلُوا ... أَبْنَاءَهُم تامور نفس الْمُنْذر
والتامور الدَّم وَالنَّفس الْعين يُقَال أَصَابَت فلَانا أَي عين
قلت لَيْسَ كَمَا قَالَ بل النَّفس هَا هُنَا الرّوح وَنسبَة الْإِضَافَة إِلَى الْعين توسع لِأَنَّهَا تكون بِوَاسِطَة النّظر الْمُصِيب وَالَّذِي أَصَابَهُ إِنَّمَا هُوَ نفس العائن كَمَا تقدم
قلت وَالنَّفس فِي الْقُرْآن تطلق على الذَّات بحملتها كَقَوْلِه تَعَالَى {فَسَلمُوا على أَنفسكُم} وَقَوله تَعَالَى {يَوْم تَأتي كل نفس تجَادل عَن نَفسهَا} وَقَوله تَعَالَى {كل نفس بِمَا كسبت رهينة} وَتطلق على الرّوح وَحدهَا كَقَوْلِه تَعَالَى {يَا أيتها النَّفس المطمئنة} وَقَوله تَعَالَى أخرجُوا أَنفسكُم وَقَوله تَعَالَى {وَنهى النَّفس عَن الْهوى} وَقَوله تَعَالَى {إِن النَّفس لأمارة بالسوء}
وَأما الرّوح فَلَا تطلق على الْبدن لَا بإنفراده وَلَا مَعَ النَّفس وَتطلق الرّوح على الْقُرْآن الَّذِي أوحاه الله تَعَالَى إِلَى رَسُوله قَالَ تَعَالَى {وَكَذَلِكَ أَوْحَينَا إِلَيْك روحا من أمرنَا}
وعَلى الْوَحْي الَّذِي يوحيه إِلَى أنبيائه وَرُسُله قَالَ تَعَالَى {يلقِي الرّوح من أمره على من}