يَرْحَمكُمْ من فِي السَّمَاء وَفِيه أهل الْجنَّة ثَلَاثَة ذُو سُلْطَان مقسط متصدق وَرجل رَحِيم رَقِيق الْقلب بِكُل ذِي قربى وَمُسلم عفيف متعفف ذُو عِيَال وَالصديق رَضِي الله عَنهُ إِنَّمَا فضل الْأمة بِمَا كَانَ فِي قلبه من الرَّحْمَة الْعَامَّة زِيَادَة على الصديقية وَلِهَذَا أظهر أَثَرهَا فِي جَمِيع مقدماته حَتَّى فِي الْأُسَارَى يَوْم بدر وَاسْتقر الْأَمر على مَا أَشَارَ بِهِ وَضرب لَهُ مثلا بِعِيسَى وَإِبْرَاهِيم والرب تَعَالَى هُوَ الرءوف الرَّحِيم وَأقرب الْخلق إِلَيْهِ وأعظمهم رأفة وَرَحْمَة كَمَا أَن أبعدهم مِنْهُ من اتّصف بضد صِفَاته وَهَذَا بَاب لَا يلجه إِلَّا الْأَفْرَاد فِي الْعَالم
فصل وَالْفرق بَين الموجدة والحقد أَن الوجد الإحساس بالمؤلم وَالْعلم بِهِ
وتحرك النَّفس فِي رَفعه فَهُوَ كَمَال وَأما الحقد فَهُوَ إِضْمَار الشَّرّ وتوقعه كل وَقت فِيمَن وجدت عَلَيْهِ فَلَا يزايل الْقلب أَثَره
وَفرق آخر وَهُوَ أَن الموجدة لما ينالك مِنْهُ والحقد لما يَنَالهُ مِنْك فالموجدة وجد مَا نالك من أَذَاهُ والحقد توقع وجود مَا يَنَالهُ من الْمُقَابلَة فالموجدة سريعة الزَّوَال والحقد بطيء الزَّوَال والحقد يَجِيء مَعَ ضيق الْقلب واستيلاء ظلمَة النَّفس ودخانها عَلَيْهِ بِخِلَاف الموجدة فَإِنَّهَا تكون مَعَ قوته وصلابته وَقُوَّة نوره وإحساسه
فصل وَالْفرق بَين المنافسة والحسد أَن المنافسة الْمُبَادرَة إِلَى الْكَمَال الَّذِي
تشاهد من غَيْرك فتنافسه فِيهِ حَتَّى تلْحقهُ أَو تجاوزه فَهِيَ من شرف النَّفس وعلو الهمة وَكبر الْقدر قَالَ تَعَالَى وَفِي ذَلِك فَلْيَتَنَافَس الْمُتَنَافسُونَ وَأَصلهَا من الشَّيْء النفيس الَّذِي تتَعَلَّق بِهِ النُّفُوس طلبا ورغبة فينافس فِيهِ كل من النفسين الْأُخْرَى وَرُبمَا فرحت إِذا شاركتها فِيهِ كَمَا كَانَ أَصْحَاب رَسُول الله يتنافسون فِي الْخَيْر ويفرح بَعضهم بِبَعْض باشتراكهم فِيهِ بل يحض بَعضهم بَعْضًا عَلَيْهِ مَعَ تنافسهم فِيهِ وَهِي نوع من الْمُسَابقَة وَقد قَالَ تَعَالَى فاستبقوا الْخيرَات وَقَالَ تَعَالَى سابقوا إِلَى مغْفرَة من ربكُم وجنة عرضهَا كعرض السَّمَاء وَكَانَ عمر بن الْخطاب يسابق أَبَا بكر رَضِي الله عَنْهُمَا فَلم يظفر بسبقه أبدا فَلَمَّا علم أَنه قد استولى على الْإِمَامَة قَالَ وَالله لَا أسابقك إِلَى شَيْء أبدا وَقَالَ وَالله مَا سبقته إِلَى خير إِلَّا وجدته قد سبقني إِلَيْهِ والمتنافسان كعبدين بَين يَدي سيدهما يتباريان ويتنافسان فِي مرضاته ويتسابقان إِلَى محابه فسيدهما يُعجبهُ ذَلِك مِنْهُمَا ويحثهما عَلَيْهِ وكل مِنْهُمَا يحب الآخر ويحرضه على مرضاة سَيّده
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute