وَأما حَدِيث خلق الْأَرْوَاح قبل الأجساد بألفي عَام فَلَا يَصح إِسْنَاده فَفِيهِ عتبَة بن السكن قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ مَتْرُوك وأرطأة بن الْمُنْذر قَالَ ابْن عدي بعض أَحَادِيثه غلط
فصل وَأما الدَّلِيل على أَن خلق الْأَرْوَاح مُتَأَخّر عَن خلق أبدانها فَمن وُجُوه
أَحدهَا أَن خلق أَبى الْبشر وأصلهم كَانَ هَكَذَا فَإِن الله سُبْحَانَهُ أرسل جِبْرِيل فَقبض قَبْضَة من الأَرْض ثمَّ خمرها حَتَّى صَارَت طينا ثمَّ صوره ثمَّ نفخ فِيهِ الرّوح بعد أَن صوره فَلَمَّا دخلت الرّوح فِيهِ صَار لَحْمًا ودما حَيا ناطقا فَفِي تَفْسِير أَبى مَالك وأبى صَالح عَن ابْن عَبَّاس وَعَن مرّة عَن ابْن مَسْعُود وَعَن أنَاس من أَصْحَاب النَّبِي لما فرغ عز وَجل من خلق مَا أحب اسْتَوَى على الْعَرْش فَجعل إِبْلِيس ملكا على سَمَاء الدُّنْيَا وَكَانَ من الْخزَّان قلبه من مَلَائِكَة يُقَال لَهُم الْجِنّ وَإِنَّمَا سموا الْجِنّ لأَنهم خزان خزان أهل الْجنَّة وَكَانَ إِبْلِيس مَعَ ملكه خَازِنًا فَوَقع فِي صَدره وَقَالَ مَا أَعْطَانِي الله هَذَا إِلَّا لمزيد لي وَفِي لفظ لمزية لي على الْمَلَائِكَة فَلَمَّا وَقع ذَلِك الْكبر فِي نَفسه اطلع الله على ذَلِك مِنْهُ فَقَالَ الله للْمَلَائكَة {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} قَالُوا رَبنَا وَمَا يكون حَال الْخَلِيفَة وَمَا يصنعون فِي الأَرْض قَالَ الله تكون لَهُ ذُرِّيَّة يفسدونه فِي الأَرْض ويتحاسدون وَيقتل بَعضهم بَعْضًا قَالُوا رَبنَا {أَتجْعَلُ فِيهَا من يفْسد فِيهَا ويسفك الدِّمَاء وَنحن نُسَبِّح بحَمْدك ونقدس لَك قَالَ إِنِّي أعلم مَا لَا تعلمُونَ} يَعْنِي من شَأْن إِبْلِيس فَبعث جِبْرِيل إِلَى الأَرْض ليَأْتِيه بطين مِنْهَا فَقَالَت الأَرْض إِنِّي أعوذ بِاللَّه مِنْك أَن تقبض مني فَرجع وَلم يَأْخُذ وَقَالَ رب إِنَّهَا عاذت بك فأعذتها فَبعث مِيكَائِيل فعاذت مِنْهُ فأعاذها فَبعث ملك الْمَوْت فعاذت مِنْهُ فَقَالَ وَأَنا أعوذ بِاللَّه أَن أرجع وَلم أنفذ أمره فَأخذ من وَجه الأَرْض وخلط فَلم يَأْخُذ من مَكَان وَاحِد فَأخذ من تربة حَمْرَاء وبيضاء وسوداء وَلذَلِك خرج بَنو آدم مُخْتَلفين فَصَعدَ بِهِ قبل الرب عز وَجل حَتَّى عَاد طينا لازبا واللازب هُوَ الَّذِي يلزق بعضه بِبَعْض ثمَّ قَالَ للْمَلَائكَة {إِنِّي خَالق بشرا من طين فَإِذا سويته ونفخت فِيهِ من روحي فقعوا لَهُ ساجدين} فخلقه الله بِيَدِهِ لكيلا يتكبر إِبْلِيس عَنهُ ليقول لَهُ تتكبر عَمَّا عملت بيَدي وَلم أتكبر أَنا عَنهُ فخلقه بشرا فَكَانَ جسدا من طين أَرْبَعِينَ سنة فمرت بِهِ الْمَلَائِكَة ففزعوا مِنْهُ لما رَأَوْهُ وَكَانَ أَشَّدهم مِنْهُ فَزعًا إِبْلِيس فَكَانَ يمر بِهِ فيضربه فيصوت الْجَسَد كَمَا يصوت الفخار تكون لَهُ صلصة فَذَلِك حِين يَقُول {من صلصال كالفخار} وَيَقُول لأمر مَا خلقت وَدخل من فِيهِ فَخرج من دبره فَقَالَ للْمَلَائكَة لَا ترهبوا من هَذَا فَإِن ربكُم صَمد وَهَذَا أجوف لَئِن سلطت عَلَيْهِ لأهلكنه فَلَمَّا بلغ الْحِين الَّذِي يُرِيد الله جلّ ثَنَاؤُهُ أَن ينْفخ فِيهِ الرّوح قَالَ للْمَلَائكَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute