تِلْكَ الرّوح هَذَا هُوَ الَّذِي دلّ عَلَيْهِ النَّص وَأما كَون النفخة بِمُبَاشَرَة مِنْهُ سُبْحَانَهُ كَمَا خلقه بِيَدِهِ أَن أَنَّهَا حصلت بأَمْره كَمَا حصلت فِي مَرْيَم عَلَيْهَا السَّلَام فَهَذَا يحْتَاج إِلَى دَلِيل وَالْفرق بَين خلق الله لَهُ بِيَدِهِ ونفخه فِيهِ من روحه أَن الْيَد غير مخلوقة وَالروح مخلوقة والخلق فعل من أَفعَال الرب وَأما النفخ فَهَل هُوَ من أَفعاله الْقَائِمَة بِهِ أَو هُوَ مفعول من مفعولاته الْقَائِمَة بِغَيْر الْمُنْفَصِلَة عَنهُ وَهَذَا مِمَّا لَا يحْتَاج إِلَى دَلِيل وَهَذَا بِخِلَاف النفخ فِي فرج مَرْيَم فَإِنَّهُ مفعول من مفعولاته وأضافه إِلَيْهِ لِأَنَّهُ بِإِذْنِهِ وَأمره فنفخه فِي آدم هَل هُوَ فعل لَهُ أَو مفعول وعَلى كل تَقْدِير فالروح الَّذِي نفخ مِنْهَا فِي آدم روح مخلوقة غير قديمَة وَهِي مَادَّة روح آدم فروحه أولى أَن تكون حَادِثَة مخلوقة وَهُوَ المُرَاد
الْمَسْأَلَة الثَّامِنَة عشرَة
وَهِي تقدم خلق الْأَرْوَاح على الأجساد أَو تَأَخّر خلقهَا عَنْهَا
فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة للنَّاس فِيهَا قَولَانِ معروفان حَكَاهُمَا شيخ الإسلاح وَغَيره وَمِمَّنْ ذهب إِلَى تقدم خلقهَا مُحَمَّد بن نصر المروزى وَأَبُو مُحَمَّد بن حزم وَحَكَاهُ ابْن حزم إِجْمَاعًا وَنحن نذْكر حجج الْفَرِيقَيْنِ وَمَا هُوَ الأولى مِنْهَا بِالصَّوَابِ
قَالَ من ذهب إِلَى تقدم خلقهَا على خلق الْبدن قَالَ الله تَعَالَى {وَلَقَد خَلَقْنَاكُمْ ثمَّ صورناكم ثمَّ قُلْنَا للْمَلَائكَة اسجدوا لآدَم فسجدوا} قَالُوا ثمَّ للتَّرْتِيب والمهلة فقد تَضَمَّنت الْآيَة أَن خلقهَا مقدم على أَمر الله للْمَلَائكَة بِالسُّجُود لآدَم وَمن الْمَعْلُوم قطعا أَن أبداننا حَادِثَة بعد ذَلِك فَعلم أَنَّهَا الْأَرْوَاح قَالُوا وَيدل عَلَيْهِ قَوْله سُبْحَانَهُ {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ وأشهدهم على أنفسهم أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} قَالُوا وَهَذَا الاستنطاق وَالْإِشْهَاد إِنَّمَا كَانَ لأرواحنا إِذْ لم تكن الْأَبدَان حِينَئِذٍ مَوْجُودَة فَفِي الْمُوَطَّأ حَدثنَا مَالك عَن زيد ابْن أَبى أنيسَة أَن عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن بن زيد بن الْخطاب أخبرهُ عَن مُسلم بن يسَار الْجُهَنِىّ أَن عمر بن الْخطاب سُئِلَ عَن هَذِه الْآيَة {وَإِذ أَخذ رَبك من بني آدم من ظُهُورهمْ ذُرِّيتهمْ} فَقَالَ سَمِعت رَسُول الله يسْأَل عَنْهَا فَقَالَ خلق الله آدم ثمَّ مسح ظَهره بِيَمِينِهِ فإستخرج مِنْهُ ذُريَّته فَقَالَ خلقت هَؤُلَاءِ للنار وبعمل أهل النَّار يعْملُونَ وخلقت هَؤُلَاءِ للجنة وبعمل أهل الْجنَّة يعْملُونَ فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله فَفِيمَ الْعَمَل فَقَالَ رَسُول الله إِن الله إِذا خلق الرجل للجنة اسْتَعْملهُ بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى يَمُوت على عمل من أَعمال أهل الْجنَّة فيدخله بِهِ الْجنَّة وَإِذا خلق العَبْد للنار اسْتَعْملهُ بِعَمَل أهل النَّار حَتَّى يَمُوت على عمل من أَعمال أهل النَّار فيدخله بِهِ النَّار قَالَ الْحَاكِم هَذَا حَدِيث على شَرط مُسلم