للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَهَؤُلَاء عِنْدهم أَن الْجِسْم إِذا مَاتَ عدمت روحه كَمَا تقدم وَسَائِر أعراضه الْمَشْرُوطَة بِالْحَيَاةِ وَمن يَقُول مِنْهُم أَن الْعرض لَا يبْقى زمانين كَمَا يَقُوله أَكثر الأشعرية فَمن قَوْلهم إِن روح الْإِنْسَان الْآن هِيَ غير روحه قبل وَهُوَ لَا يَنْفَكّ يحدث لَهُ روح ثمَّ تغير ثمَّ روح ثمَّ تغير هَكَذَا أبدا فيبدل لَهُ ألف روح فَأكْثر فِي مِقْدَار سَاعَة من الزَّمَان فَمَا دونهَا فَإِذا مَاتَ فَلَا روح تصعد إِلَى السَّمَاء وتعود إِلَى الْقَبْر وتقبضها الْمَلَائِكَة ويستفتحون لَهَا أَبْوَاب السَّمَوَات وَلَا تنعم وَلَا تعذب وَإِنَّمَا ينعم ويعذب الْجَسَد إِذا شَاءَ الله تنعيمه أَو تعذيبه رد إِلَيْهِ الْحَيَاة فِي وَقت يُرِيد نعيمه أَو عَذَابه وَإِلَّا فَلَا أَرْوَاح هُنَاكَ قَائِمَة بِنَفسِهَا الْبَتَّةَ

وَقَالَ بعض أَرْبَاب هَذَا القَوْل ترد الْحَيَاة إِلَى عجب الذَّنب فَهُوَ الَّذِي يعذب وينعم وَحسب

وَهَذَا قَول يردهُ الْكتاب وَالسّنة وَإِجْمَاع الصَّحَابَة وأدلة الْعُقُول والفطن والفطرة وَهُوَ قَول من لم يعرف روحه فضلا عَن روح غَيره وَقد خَاطب الله سُبْحَانَهُ النَّفس بِالرُّجُوعِ وَالدُّخُول وَالْخُرُوج ودلت النُّصُوص الصَّحِيحَة للصريحة على أَنَّهَا تصعد وتنزل وتقبض وَتمسك وَترسل وتستفتح لَهَا أَبْوَاب السَّمَاء وتسجد وتتكلم وَأَنَّهَا تخرج تسيل كَمَا تسيل القطرة وتكفن وتحنط فِي أكفان الْجنَّة وَالنَّار وَأَن ملك الْمَوْت يَأْخُذهَا بِيَدِهِ ثمَّ تتناولها الْمَلَائِكَة من يَده ويشم لَهَا كأطيب نفحة مسك أَو أنتن جيفة وتشيع من سَمَاء إِلَى سَمَاء ثمَّ تُعَاد إِلَى الأَرْض مَعَ الْمَلَائِكَة وَأَنَّهَا إِذا خرجت تبعها الْبَصَر بِحَيْثُ يَرَاهَا وَهِي خَارِجَة وَدلّ الْقُرْآن على أَنَّهَا تنْتَقل من مَكَان إِلَى مَكَان حَتَّى تبلغ الْحُلْقُوم فِي حركتها وَجَمِيع مَا ذكرنَا من جمع الْأَدِلَّة الدَّالَّة على تلاقى الْأَرْوَاح وتعارفها وَأَنَّهَا أجناد مجندة إِلَى غير ذَلِك تبطل هَذَا القَوْل وَقد شَاهد النَّبِي الْأَرْوَاح لَيْلَة الْإِسْرَاء عَن يَمِين آدم وشماله وَأخْبر النَّبِي إِن نسمَة الْمُؤمن طَائِر يعلق فِي شجر الْجنَّة وَأَن أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي حواصل طير خضر وَأخْبر تَعَالَى عَن أَرْوَاح آل فِرْعَوْن أَنَّهَا تعرض على النَّار غدوا وعشيا

وَلما أورد ذَلِك على ابْن الباقلانى لج فِي الْجَواب وَقَالَ يخرج على هَذَا أحد وَجْهَيْن إِمَّا بِأَن يوضع عرض من الْحَيَاة فِي أول جُزْء من أَجزَاء الْجِسْم وَإِمَّا أَن يخلق لتِلْك الْحَيَاة وَالنَّعِيم وَالْعَذَاب جَسَد آخر

وَهَذَا قَول فِي غَايَة الْفساد من وُجُوه كَثِيرَة أَي قَول أفسد من قَول من يَجْعَل روح الْإِنْسَان عرضا من الْأَعْرَاض تتبدل كل سَاعَة الوفا من المرات فَإِذا فَارقه هَذَا الْعرض لم يكن بعد الْمُفَارقَة روح تنعم وَلَا تعذب وَلَا تصعد وَلَا تنزل وَلَا تمسك وَلَا ترسل فَهَذَا قَول

<<  <   >  >>