للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اعتقده عِنْده من بَاب الصَّائِل لَا يُبَالِي بِأَيّ شَيْء دَفعه وأدلة الْحق لَا تتعارض وَلَا تتناقض بل يصدق بَعْضهَا بَعْضًا

وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى وَهُوَ جَوَاب أَبى الْوَفَاء بن عقيل قَالَ الْجَواب الْجيد عِنْدِي إِن يُقَال الْإِنْسَان بسعيه وَحسن عشرته اكْتسب الأصدقاء وأولد الْأَوْلَاد ونكح الْأزْوَاج وأسدى الْخَيْر وتودد إِلَى النَّاس فترحموا عَلَيْهِ وأهدوا لَهُ الْعِبَادَات وَكَانَ ذَلِك أثر سَعْيه كَمَا قَالَ إِن أطيب مَا أكل الرجل من كَسبه وان وَلَده من كَسبه وَيدل عَلَيْهِ قَوْله فِي الحَدِيث الآخر إِذا مَاتَ العَبْد انْقَطع عمله إِلَّا من ثَلَاث علم ينْتَفع بِهِ من بعده وَصدقَة جَارِيَة عَلَيْهِ أَو ولد صَالح يَدْعُو لَهُ وَمن هُنَا قَول الشَّافِعِي إِذا بذل لَهُ وَلَده طَاعَة الْحَج كَانَ ذَلِك سَببا لوُجُوب الْحَج عَلَيْهِ حَتَّى كَأَنَّهُ فِي مَاله زَاد وراحلة بِخِلَاف بذل الْأَجْنَبِيّ

وَهَذَا جَوَاب متوسط يحْتَاج إِلَى تَمام فَإِن العَبْد بإيمانه وطاعته لله وَرَسُوله قد سعى فِي انتفاعه بِعَمَل إخوانه الْمُؤمنِينَ مَعَ عمله كَمَا ينْتَفع بعملهم فِي الْحَيَاة مَعَ عمله فَإِن الْمُؤمنِينَ ينْتَفع بَعضهم بِعَمَل بعض فِي الْأَعْمَال الَّتِي يشتركون فِيهَا كَالصَّلَاةِ فِي جمَاعَة فَإِن كل وَاحِد مِنْهُم تضَاعف صلَاته إِلَى سَبْعَة وَعشْرين ضعفا لمشاركة غَيره لَهُ فِي الصَّلَاة فَعمل غَيره كَانَ سَببا لزِيَادَة أجره كَمَا أَن عمله سَبَب لزِيَادَة أجر الآخر بل قد قيل إِن الصَّلَاة يُضَاعف ثَوَابهَا يعدد الْمُصَلِّين وَكَذَلِكَ اشتراكهم فِي الْجِهَاد وَالْحج وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر والتعاون على الْبر وَالتَّقوى وَقد قَالَ النَّبِي الْمُؤمن لِلْمُؤمنِ كالبنيان يشد بعضه بَعْضًا وَشَبك بَين أَصَابِعه وَمَعْلُوم أَن هَذَا بِأُمُور الدّين أولى مِنْهُ بِأُمُور الدُّنْيَا فدخول الْمُسلم مَعَ جملَة الْمُسلمين فِي عقد الْإِسْلَام من أعظم الْأَسْبَاب فِي وُصُول نفع كل من الْمُسلمين إِلَى صَاحبه فِي حَيَاته وَبعد مماته ودعوة الْمُسلمين تحيط من ورائهم وَقد أخبر الله سُبْحَانَهُ عَن حَملَة الْعَرْش وَمن حوله أَنهم يَسْتَغْفِرُونَ للْمُؤْمِنين وَيدعونَ لَهُم وَاخْبَرْ عَن دُعَاء رسله واستغفارهم للْمُؤْمِنين كنوح وَإِبْرَاهِيم وَمُحَمّد فَالْعَبْد بإيمانه قد تسبب إِلَى وُصُول هَذَا الدُّعَاء إِلَيْهِ فَكَأَنَّهُ من سَعْيه يُوضحهُ أَن الله سُبْحَانَهُ جعل الْإِيمَان سَببا لانتفاع صَاحبه بِدُعَاء إخوانه من الْمُؤمنِينَ وسعيهم فَإِذا أَتَى بِهِ فقد سعى فِي السَّبَب الَّذِي يُوصل إِلَيْهِ وَقد دلّ على ذَلِك قَول النَّبِي لعَمْرو بن الْعَاصِ إِن أَبَاك لَو كَانَ أقرّ بِالتَّوْحِيدِ نَفعه ذَلِك يعْنى الْعتْق الَّذِي فعل عَنهُ بعد مَوته فَلَو أَتَى بِالسَّبَبِ لَكَانَ قد سعى فِي يعْمل يُوصل إِلَيْهِ ثَوَاب الْعتْق وَهَذِه طَريقَة لَطِيفَة حَسَنَة جدا

وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى الْقُرْآن لم ينف انْتِفَاع الرجل بسعي غَيره وَإِنَّمَا نفي ملكه لغير سَعْيه

<<  <   >  >>