بِالْأَمر هَا هُنَا الْمَأْمُور وَهُوَ عرف مُسْتَعْمل فِي لُغَة الْعَرَب وَفِي الْقُرْآن مِنْهُ كثير كَقَوْلِه تَعَالَى {أَتَى أَمر الله} أَي مَأْمُور الَّذِي قدره وقضاه وَقَالَ لَهُ كن فَيكون وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَمَا أغنت عَنْهُم آلِهَتهم الَّتِي يدعونَ من دون الله من شَيْء لما جَاءَ أَمر رَبك} أَي مأموره الَّذِي أَمر بِهِ من إهلاكهم وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَمر السَّاعَة إِلَّا كلمح الْبَصَر} وَكَذَلِكَ الْخلق يسْتَعْمل بِمَعْنى الْمَخْلُوق كَقَوْلِه تَعَالَى للجنة أَنْت رَحْمَتي فَلَيْسَ فِي قَوْله تَعَالَى {قل الرّوح من أَمر رَبِّي} مَا يدل على أَنَّهَا قديمَة غير مخلوقة بِوَجْه مَا وَقد قَالَ بعض السّلف فِي تَفْسِيرهَا جرى بِأَمْر الله فِي أجساد الْخلق وبقدرته اسْتَقر
وَهَذَا بِنَاء على أَن المُرَاد بِالروحِ فِي الْآيَة روح الْإِنْسَان وَفِي ذَلِك خلاف بَين السّلف وَالْخلف وَأكْثر السّلف بل كلهم على أَن الرّوح الْمَسْئُول عَنْهَا فِي الْآيَة لَيست أَرْوَاح بنى آدم بل هُوَ الرّوح الَّذِي أخبر الله عَنهُ فِي كِتَابه أَنه يقوم يَوْم الْقِيَامَة مَعَ الْمَلَائِكَة وَهُوَ ملك عَظِيم وَقد ثَبت فِي الصَّحِيح من حَدِيث الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله قَالَ بَينا أَنا أمشى مَعَ رَسُول الله فِي حرَّة الْمَدِينَة وَهُوَ متكىء على عسيب فمررنا على نفر من الْيَهُود فَقَالَ بَعضهم لبَعض سلوه عَن الرّوح وَقَالَ بَعضهم لَا تسألوه عَسى أَن يخبر فِيهِ بِشَيْء تكرهونه وَقَالَ بَعضهم نَسْأَلهُ فَقَامَ رجل فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِم مَا الرّوح فَسكت عَنهُ رَسُول الله فَعلمت أَنه يوحي إِلَيْهِ فَقُمْت فَلَمَّا تجلى عَنهُ قَالَ {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا}
وَمَعْلُوم أَنهم إِنَّمَا سَأَلُوهُ عَن أَمر لَا يعرف إِلَّا بِالْوَحْي وَذَلِكَ هُوَ الرّوح الَّذِي عِنْد الله لَا يعلمهَا النَّاس
وَأما أَرْوَاح بنى آدم فَلَيْسَتْ من الْغَيْب وَقد تكلم فِيهَا طوائف من النَّاس من أهل الْملَل وَغَيرهم فَلم يكن الْجَواب عَنْهَا من أَعْلَام النُّبُوَّة
فَإِن قيل فقد قَالَ أَبُو الشَّيْخ حَدثنَا الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم أَنبأَنَا إِبْرَاهِيم بن الحكم عَن أَبِيه عَن السدى عَن أَبى مَالك عَن ابْن عَبَّاس قَالَ بعثت قُرَيْش عقبَة بن أَبى معيط وَعبد الله ابْن أَبى أُميَّة بن الْمُغيرَة إِلَى يهود الْمَدِينَة يَسْأَلُونَهُمْ عَن النَّبِي فَقَالُوا لَهُم انه قد خرج فِينَا رجل يزْعم أَنه نَبِي وَلَيْسَ على ديننَا وَلَا على دينكُمْ قَالُوا فَمن تبعه قَالُوا سفلتنا والضعفاء وَالْعَبِيد وَمن لَا خير فِيهِ وَأما أَشْرَاف قومه فَلم يتبعوه فَقَالُوا انه قد أظل زمَان نَبِي يخرج وَهُوَ على مَا تصفون من أَمر هَذَا الرجل فائتوه فَاسْأَلُوهُ عَن ثَلَاث خِصَال نأمركم بِهن فَإِن أخْبركُم بِهن فَهُوَ نَبِي صَادِق وَإِن لم يُخْبِركُمْ بِهن فَهُوَ كَذَّاب سلوه عَن الرّوح الَّتِي نفخ الله تَعَالَى فِي آدم فَإِن قَالَ لكم هِيَ من الله فَقولُوا كَيفَ يعذب الله فِي النَّار شَيْئا هُوَ