الْإِدْرَاك وَإِن لم يكف امْتنع حُصُول الْإِدْرَاك فِي وَقت من الْأَوْقَات إِذْ لَو حصل فِي وَقت دون وَقت لَكَانَ بِسَبَب أَمر زَائِد على مُجَرّد حُضُور صُورَة الْآلَة
السَّادِس أَن كل أحد يدْرك نَفسه وَإِدْرَاك الشَّيْء عبارَة عَن حُضُور مَاهِيَّة الْمَعْلُوم عِنْد الْعَالم فَإِذا علمنَا أَنْفُسنَا فَهُوَ إِمَّا أَن يكون لأجل حُضُور ذواتنا لذواتنا أَو لأجل حُضُور صُورَة مُسَاوِيَة لذواتنا فِي ذواتنا وَالْقسم الثَّانِي بَاطِل وَإِلَّا لزم اجْتِمَاع المثلين فَثَبت أَنه لَا معنى لعلمنا بذاتنا إِلَّا حُضُور ذاتنا عِنْد ذاتنا وَهَذَا إِنَّمَا يكون إِذا كَانَت ذاتا قَائِمَة بِالنَّفسِ غنية عَن الْمحل لِأَنَّهَا لَو كَانَت حَالَة فِي مَحل كَانَت حَاضِرَة عِنْد ذَلِك الْمحل فَثَبت أَن هَذَا الْمَعْنى إِنَّمَا يحصل إِذا كَانَت النَّفس قَائِمَة بِنَفسِهَا غنية عَن مَحل تحل فِيهِ
السَّابِع مَا احْتج بِهِ أَبُو البركات الْبَغْدَادِيّ وأبطل مَا سواهُ فَقَالَ لَا نشك أَن الْوَاحِد منا يُمكنهُ أَن يتخيل بحرا من زئبق وجبلا من ياقوت وشموسا وأقمارا فَهَذِهِ الصُّور الخيالية لَا تكون مَعْدُومَة لِأَن قُوَّة المتخيل تُشِير إِلَى تِلْكَ الصُّور وتميز بَين كل صُورَة وَغَيرهَا وَقد يقوى ذَلِك المتخيل إِلَى أَن يصير كالمشاهد المحسوس وَمَعْلُوم أَن الْعَدَم الْمَحْض وَالنَّفْي الصّرْف لَا يثبت ذَلِك وَنحن نعلم بِالضَّرُورَةِ ان هَذِه الصُّور لَيست مَوْجُودَة فِي الْأَعْيَان فَثَبت أَنَّهَا مَوْجُودَة فِي الأذهان فَنَقُول مَحل هَذِه الصُّورَة إِمَّا أَن يكون جسما أَو حَالا فِي الْجِسْم أَو لَا جسما وَلَا حَالا فِي الْجِسْم والقسمان الْأَوَّلَانِ باطلان لِأَن صُورَة الْبَحْر والجبل صُورَة عَظِيمَة والدماغ وَالْقلب جسم صَغِير وانطباع الْعَظِيم فِي الصَّغِير محَال فَثَبت أَن مَحل هَذِه الصُّورَة الخيالية لَيْسَ بجسم وَلَا جسماني
وَالثَّامِن لَو كَانَت الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة جسدانية لضعفت فِي زمَان الشيخوخة دَائِما وَلَيْسَ كَذَلِك
التَّاسِع أَن الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة غنية فِي أفعالها عَن الْجِسْم وَمَا كَانَ غَنِيا فِي فعله عَن الْجِسْم وَجب أَن يكون غَنِيا فِي ذَاته عَن الْجِسْم بَيَان الأول أَن الْقُوَّة الْعَقْلِيَّة تدْرك نَفسهَا وَمن الْمحَال أَن يحصل بَينهَا وَبَين نَفسهَا آلَة متوسطة أَيْضا وتدرك إِدْرَاكهَا لنَفسهَا وَلَيْسَ هَذَا الْإِدْرَاك بِآلَة وَأَيْضًا فَإِنَّهَا تدْرك الْجِسْم الَّذِي هُوَ آلتها وَلَيْسَ بَينهَا وَبَين آلتها آلَة أُخْرَى وَبَيَان للثَّانِي من وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَن القوى الجسمانية كالناظرة والسامعة والخيال وَالوهم لما كَانَت جسمانية يقدر عَلَيْهَا إِدْرَاك ذواتها وإدراكها لكَونهَا مدركة لذواتها وإدراكها الْأَجْسَام الحالمة لَهَا فَلَو كَانَت الْقُوَّة الْعَاقِلَة جسمانية لتعذر عَلَيْهَا هَذِه الْأُمُور الثَّلَاثَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute