للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَا لَيْت إِخْوَاننَا يعلمُونَ مَا صنع الله لنا لِئَلَّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَاد وَلَا ينكلُوا عَن الْحَرْب فَقَالَ الله عز وَجل أَنا أبلغهم عَنْكُم فَأنْزل الله تَعَالَى على رَسُوله {وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ} الْآيَات رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد وَهَذَا صَرِيح فِي أكلهَا وشربها وحركتها وانتقالها وكلامها وَسَيَأْتِي مزِيد تَقْرِير لذَلِك عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى

وَإِذا كَانَ هَذَا شَأْن الْأَرْوَاح فتميزها بعد الْمُفَارقَة يكون أظهر من تميز الْأَبدَان والاشتباه بَينهَا أبعد من اشْتِبَاه الْأَبدَان فَإِن الْأَبدَان تشتبه كثيرا وَأما الْأَرْوَاح فَقل مَا تشتبه

يُوضح هَذَا أَنا لم نشاهد أبدان الْأَنْبِيَاء وَالصَّحَابَة وَالْأَئِمَّة وهم متميزون فِي علمنَا أظهر تميز وَلَيْسَ ذَلِك التميز رَاجعا إِلَى مُجَرّد أبدانهم وَإِن ذكر لنا من صِفَات أبدانهم مَا يخْتَص بِهِ أحدهم من الآخر بل التميز الَّذِي عندنَا بِمَا علمناه وعرفناه من صِفَات أَرْوَاحهم وَمَا قَامَ بهَا وتميز الرّوح عَن الرّوح بصفاتها أعظم من تميز الْبدن عَن الْبدن بصفاته أَلا ترى أَن بدن الْمُؤمن وَالْكَافِر قد يشتبهان كثيرا وَبَين روحيهما أعظم التباين وَالتَّمَيُّز وَأَنت ترى أَخَوَيْنِ شقيقين مشتبهين فِي الْخلقَة غَايَة الِاشْتِبَاه وَبَين روحيهما غَايَة التباين فَإِذا تجردت هَاتَانِ الروحان كَانَ تميزهما فِي غَايَة الظُّهُور

وأخبرك بِأَمْر إِذا تَأَمَّلت أَحْوَال الْأَنْفس والأبدان شاهدته عيَانًا قل أَن ترى بدنا قبيحا وشكلا شنيعا إِلَّا وجدته مركبا على نفس تشاكله وتناسبه وَقل أَن ترى آفَة فِي بدن إِلَّا وَفِي روح صَاحبه آفَة تناسبها وَلِهَذَا تَأْخُذ أَصْحَاب الفراسة أَحْوَال النُّفُوس من أشكال الْأَبدَان وَأَحْوَالهَا فَقل أَن تخطئ ذَلِك

ويحكى عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي ذَلِك عجائب

وَقل أَن ترى شكلا حسنا وَصُورَة جميلَة وتركيبا لطيفا إِلَّا وجدت الرّوح الْمُتَعَلّقَة بِهِ مُنَاسبَة لَهُ هَذَا مَا لم يُعَارض ذَلِك مَا يُوجب خِلَافه من تعلم وتدرب واعتياد

وَإِذا كَانَت الْأَرْوَاح العلوية وهم الْمَلَائِكَة متميزا بَعضهم عَن بعض من غير أجسام تحملهم وَكَذَلِكَ الْجِنّ فتميز الْأَرْوَاح البشرية أولى

<<  <   >  >>