للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ على بن معبد عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنه مر عَلَيْهَا بِجنَازَة صبي صَغِير فَبَكَتْ فَقيل لَهَا مَا يبكيك يَا أم الْمُؤمنِينَ فَقَالَت هَذَا الصَّبِي بَكَيْت لَهُ شَفَقَة عَلَيْهِ من ضمة الْقَبْر

وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ هناد بن السرى حَدثنَا أَبُو مُعَاوِيَة عَن يحيى بن سعيد عَن سعيد ابْن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِنَّه كَانَ ليُصَلِّي على المنفوس وَمَا ان عمل خَطِيئَة قطّ فَيَقُول اللَّهُمَّ أجره من عَذَاب الْقَبْر

قَالُوا وَالله سُبْحَانَهُ يكمل لَهُم عُقُولهمْ ليعرفوا بذلك منزلهم ويلهمون الْجَواب عَمَّا يسْأَلُون عَنهُ

قَالُوا وَقد دلّ على ذَلِك الْأَحَادِيث الْكَثِيرَة الَّتِي فِيهَا أَنهم يمْتَحنُونَ فِي الْآخِرَة وَحَكَاهُ الْأَشْعَرِيّ عَن أهل السّنة والْحَدِيث فَإِذا امتحنوا فِي الْآخِرَة لم يمْتَنع امتحانهم فِي الْقُبُور

قَالَ الْآخرُونَ السُّؤَال أَنما يكون لمن عقل الرَّسُول والمرسل فَيسْأَل هَل آمن بالرسول وأطاعه أم لَا فَيُقَال لَهُ مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل الَّذِي بعث فِيكُم فَأَما الطِّفْل الَّذِي لَا تَمْيِيز لَهُ بِوَجْه مَا فَكيف يُقَال لَهُ مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل الَّذِي بعث فِيكُم وَلَو رد إِلَيْهِ عقله فِي الْقَبْر فَإِنَّهُ لَا يسْأَل عَمَّا لم يتَمَكَّن من مَعْرفَته وَالْعلم بِهِ وَلَا فَائِدَة فِي هَذَا السُّؤَال وَهَذَا بِخِلَاف امتحانهم فِي الْآخِرَة فَإِن الله سُبْحَانَهُ يُرْسل اليهم رَسُولا وَيَأْمُرهُمْ بِطَاعَة أمره وعقولهم مَعَهم فَمن أطاعه مِنْهُم نجا وَمن عَصَاهُ أدخلهُ النَّار فَذَلِك امتحان بِأَمْر يَأْمُرهُم بِهِ يَفْعَلُونَهُ ذَلِك الْوَقْت لَا أَنه سُؤال عَن أَمر مضى لَهُم فِي الدُّنْيَا من طَاعَة أَو عصيان كسؤال الْملكَيْنِ فِي الْقَبْر

وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ فَلَيْسَ المُرَاد بِعَذَاب الْقَبْر فِيهِ عُقُوبَة الطِّفْل على ترك طَاعَة أَو فعل مَعْصِيّة قطعا فان الله لَا يعذب أحدا بِلَا ذَنْب عمله بل عَذَاب الْقَبْر قد يُرَاد بِهِ الْأَلَم الَّذِي يحصل للْمَيت بِسَبَب غَيره وَإِن لم يكن عُقُوبَة على عمل عمله وَمِنْه قَوْله إِن الْمَيِّت ليعذب ببكاء أَهله عَلَيْهِ أَي يتألم بذلك ويتوجع مِنْهُ لَا أَنه يُعَاقب بذنب الْحَيّ وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى

وَهَذَا كَقَوْل النَّبِي السّفر قِطْعَة من الْعَذَاب فالعذاب أَعم من الْعقُوبَة وَلَا ريب أَن فِي الْقَبْر من الآلام والهموم والحسرات مَا قد يسرى أَثَره إِلَى الطِّفْل فيتألم بِهِ فيشرع الْمصلى عَلَيْهِ أَن يسْأَل الله تَعَالَى لَهُ أَن يَقِيه ذَلِك الْعَذَاب وَالله أعلم

<<  <   >  >>