قَلِيل جدا وَالنَّبِيّ علق هَذَا الْجَزَاء بِوَصْف الْإِيمَان فَهُوَ الْمُقْتَضى لَهُ وَلم يعلقه بِوَصْف الشَّهَادَة أَلا ترى أَن الحكم الذى اخْتصَّ بِالشُّهَدَاءِ علق بِوَصْف الشَّهَادَة كَقَوْلِه فِي حَدِيث الْمِقْدَام بن معد يكرب للشهيد عِنْد الله سِتّ خِصَال يغْفر لَهُ فِي أول دفقة من دَمه وَيرى مَقْعَده من الْجنَّة ويحلى حلَّة الْإِيمَان ويزوج من الْحور الْعين ويجار من عَذَاب الْقَبْر ويأمن من الْفَزع الْأَكْبَر وَيُوضَع على رَأسه تَاج الْوَقار الياقوتة مِنْهُ خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ويزوج اثْنَتَيْنِ وَسبعين من الْحور الْعين ويشفع فِي سبعين إنْسَانا من أَقَاربه فَلَمَّا كَانَ هَذَا يخْتَص بالشهيد قَالَ إِن للشهيد وَلم يقل إِن لِلْمُؤمنِ وَكَذَلِكَ قَوْله فِي حَدِيث قيس الجذامى يعْطى الشَّهِيد سِتّ خِصَال وَكَذَلِكَ سَائِر الْأَحَادِيث والنصوص الَّتِي علق فِيهَا الْجَزَاء بِالشَّهَادَةِ
وَأما مَا علق فِيهِ الْجَزَاء بِالْإِيمَان فَإِنَّهُ يتَنَاوَل كل مُؤمن شَهِيدا كَانَ أَو غير شَهِيد
واما النُّصُوص والْآثَار الَّتِي ذكر فِي رزق الشُّهَدَاء وَكَون أَرْوَاحهم فِي الْجنَّة فَكلهَا حق وَهِي لَا تدل على انْتِفَاء دُخُول أَرْوَاح الْمُؤمنِينَ الْجنَّة وَلَا سِيمَا الصديقين الَّذين هم أفضل من الشُّهَدَاء بِلَا نزاع بَين النَّاس فَيُقَال لهَؤُلَاء مَا تَقولُونَ فِي أَرْوَاح الصديقين هَل هى فِي الْجنَّة أم لَا
فَإِن قَالُوا أَنَّهَا فِي الْجنَّة وَلَا يسوغ لَهُم غير هَذَا القَوْل فَثَبت أَن هَذِه النُّصُوص لَا تدل على اخْتِصَاص أَرْوَاح الشُّهَدَاء بذلك وَإِن قَالُوا لَيست فِي الْجنَّة لَزِمَهُم من ذَلِك أَن تكون أَرْوَاح سَادَات الصَّحَابَة كابى بكر الصّديق وأبى بن كَعْب وَعبد الله بن مَسْعُود وأبى الدَّرْدَاء وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان وأشباههم رضى الله عَنْهُم لَيست فِي الْجنَّة وأرواح شُهَدَاء زَمَاننَا فِي الْجنَّة وَهَذَا مَعْلُوم الْبطلَان ضَرُورَة
فَإِن قيل فَإِن كَانَ هَذَا حكم يخْتَص بِالشُّهَدَاءِ فَمَا الْمُوجب لتخصيصهم بِالذكر فِي هَذِه النُّصُوص قلت التَّنْبِيه على فضل الشَّهَادَة وعلو درجتها وَأَن هَذَا مَضْمُون لأَهْلهَا وَلَا بُد وَأَن لَهُم مِنْهَا أوفر نصيب فَنصِيبهُمْ من هَذَا النَّعيم فِي البرزخ أكمل من نصيب غَيرهم من الْأَمْوَات على فراشهم وَإِن كَانَ الْمَيِّت على فرَاشه أَعلَى دَرَجَة مِنْهُم فَلهُ نعيم يخْتَص بِهِ لَا يُشَارِكهُ فِيهِ من هُوَ دونه
وَيدل على هَذَا أَن الله سُبْحَانَهُ جعل أَرْوَاح الشُّهَدَاء فِي أَجْوَاف اطير خضر فَإِنَّهُم لما بذلوا أنفسهم لله حَتَّى أتلفهَا أعداؤه فِيهِ أعاضهم مِنْهَا فِي البرزخ أبدانا خيرا مِنْهَا تكون فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَيكون نعيمها بِوَاسِطَة تِلْكَ الْأَبدَان أكمل من نعيم الْأَرْوَاح الْمُجَرَّدَة عَنْهَا وَلِهَذَا كَانَت نسمَة الْمُؤمن فِي صُورَة طير أَو كطير ونسمة الشَّهِيد فِي جَوف طير وَتَأمل لفظ الْحَدِيثين فانه قَالَ نسمَة الْمُؤمن طير فَهَذَا يعم الشَّهِيد وَغَيره ثمَّ خص للشهيد بِأَن قَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute