للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ النماري وَلما دخلت عَلَيْهِ وشرعت فِي قِرَاءَة الْعباب لَدَيْهِ أخذتني من دهشته الهيبة وَالْعَظَمَة مَا مَنَعَنِي اسْتِيفَاء مَا كنت آلفه من الانبساط فِي حَال الْقِرَاءَة ففهم ذَلِك مني وَأخذ يباسطني بِذكر بلدي وَأَن مِنْهَا الشَّاعِر الْفُلَانِيّ الَّذِي قَالَ فِي قصيدته مَا هُوَ كَيْت وَكَيْت حَتَّى زَالَ عني ذَلِك الدهش وثابت إِلَيّ نَفسِي

قلت والهيبة من عَلَامَات الْأَوْلِيَاء وَلَا يعزب عَنْك مَا مر قَرِيبا من أَنه أَي المزجد قَالَ مَا دخلتني هَيْبَة قطّ كَمَا كَانَت تدخلني بَين يَدي الْفَقِيه ابراهيم يَعْنِي شَيْخه ابراهيم بن أبي الْقَاسِم جغمان وَبِذَلِك يعلم أَنه من وَفقه الله ليعظم شَيْخه قيض الله لَهُ من يعظمه من الآخذين عَنهُ وَكَانَ رَحمَه الله تَعَالَى ملازماً للعزلة وَالْعِبَادَة وتلاوة الْقُرْآن وَالدَّفْع بِالَّتِي هِيَ أحسن وَيشْهد لَهُ بذلك قَوْله من قصيدة ... فلازم كسر بَيْتك فَهُوَ ادّعى ... لبعدك عَن قَبِيح الاعتياد

وسامح أهل عصرك واعف عَنْهُم ... وعش مستأنساً بالانفراد

وَقل أقرضتكم عرضي جَمِيعًا ... وَقد ابرأتكم يَوْم الْمعَاد

لكم حق عَليّ وَلَا أرى لي ... حقوقاً عنْدكُمْ هَذَا اعتقادي

لِأَنِّي عبد سوء ذُو عُيُوب ... يصاح عَليّ فِي سوق الكساد ...

وَقَالَ النماري شَيخنَا الْمَذْكُور أوقاته مرتبَة يَجْعَل أَوَاخِر اللَّيْل وَأول النَّهَار لدرس الْقُرْآن ثمَّ يشْتَغل بِمَا لَهُ من أوراد ثمَّ بالتفسير ثمَّ بالفقه ثمَّ يخرج إِلَى الحكم إِلَى وَقت الظّهْر ثمَّ يقيل ثمَّ يشْتَغل بالاحياء للغزالي وَنَحْوه من كتب الرَّقَائِق وَفِي آخر النَّهَار ينظر فِي التَّارِيخ إِلَى أَن يخرج لمجلس الحكم بعد صَلَاة الْعَصْر لِأَنَّهُ كَانَ يجلس للْحكم فِي الْيَوْم مرَّتَيْنِ

قَالَ الشَّيْخ جَار الله بن فَهد انْتفع بِهِ النَّاس وَأخذ عَنهُ الطّلبَة وَاسْتمرّ على عَظمته ووجاهته حَتَّى مَاتَ فِي دولة الأروام رَحمَه الله تَعَالَى انْتهى

وَحكى تِلْمِيذه العَبْد الصَّالح الْعَلامَة المفنن مُحَمَّد بحرق قَالَ رَأَيْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَنَام فِي ثغر عدن وَقت السحر وَبِيَدِهِ الْكَرِيمَة كتاب يطالع فِيهِ قَالَ فَقلت لَهُ أَلَك اطلَاع يَا رَسُول الله على تصانيف امتك فَقَالَ نعم فَقلت مَا تَقول فِي عقيدة احياء عُلُوم الدّين قَالَ

<<  <   >  >>