الحمد لله وصلواته على خير خلقه أجمعين وآله وصحبه الطاهرين. وبعد فهذا علقته انتخابا من كتاب الشهاب القبس من المقتبس تأليف الشيخ الحافظ أبي عُبيد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني رحمه الله في أخباره النحاة والقراء والرواة. انتخبه الشيخ الامام نجم الدين بشير بن أبي بكر حامد بن سليمان الجعفري التبريزي المجاور بمكة حرسها الله تعالى وقال: الباعث عليه أمران أولها استفادتي منه ساعة بعد ساعة وثانيهما إفادة أهليه بغرائبه والنوادر التي فيه، فقد سمعت مشيختنا يقولون: لا يوجد من هذا الكتاب نسخة سوى الأصل الذي هو بخط المصنف، وهو ثمانية عشر مجلدا في وقف الوزير نظام الملك في مدرسته بمدينتة السلام حماها الله تعالى، وقال: وقد حذفت الأسانيد والطرق وما لا يتعلق ولم أخل ترجمة منه غير أني أذكر أحاسن ما ذكر، وبالله التوفقيق والعصمة في حُسن الاختار.
[في الحث على تعلم العلم وتقويم اللسان]
قال عليه السلام: أعربوا القارآن والتسوا غرائبه. وقال عُمر الخطاب رضي الله عنه: تعلموا العربية فإنها تُنبت العقل وتزيد في المروة. وقال علي عليه السلام: عليكم السلام: عليكم بالعربية والشعر فإنها يحلان عُقدتين من اللسان العُجبمة والدكنة. وقالت عائشة رضي الله عنها: تعلموا الشعر فإنه يُعرب ألسنتكم.
وقال عبد الملك بن مروان: اللحن في الرجل السري كاجدري في الوجه الحسن.
وقال لبنيه: اطلبواالعلم فإن استغنيتم كان لكم جمالا وإن افتقرتم كان لكم مالا. وقال أبو الحراج العقيلي: تعلموا العلم فإنكم إن كنتم ملكوكا فقتم، وإن كنتم أوساطاً سُدتم، وإن أعوزتم عشتم. وكان عُمر بن عبد العزيز يُؤدب أولاده ورعيته على اللحن.
وكتب كاتب لأبي موسى إلى عمر رضي الله عنهما: من أبو موسى. فكتب عمر أن اضربه سوطا واعزله عن عَمَلك! قال رجل للحسن: يا أبو سعيد! فقال له: كسب الدوانيق شغلك عن أن تقول: يا ابا سعيد! ثم قال: تعلموا الفقه للاديان والطب للابدان والنحو للسان. وقال الضحاك بن رمل: شهدت سليمان بن عبد الملك يعرض الخيل بدابق، فقام إله رجل وقال: أصلح لله الأمير! إن أبينا هلك فوثب أخانا وأخذ مالنا. فقال سليمان: فلا رحم الله! قال سليمان: دعوه! فلو كان تارك اللحن ترك االساعة.
ودخل على عبد العزيز بن مروان رجل يشكو صهراً فقال: إن خَتَني فَعَلَ كذا وكذا. فقال له عبد العزيز: ومن خَتَنَك؟ قال: الختان الذي يختن الناس. فقال عبد العزيز لكاتبه: ويحك! بم أجابني؟! فقال أيها الامير، إنك لحنت! وهو لا يعرف اللحن، كان ينبغي أن تقوا: من خَنَتُك؟ فاشتغل عبد العزيز حنى صار من أفصح الناس، وكان يُعطي على العربية ويحرم على اللحن. كان الرجلُ يأتيه، فيقول له: ممن أنت؟ فيقول: من بني فلان. فيقول لكاتبه: أعطيه مائتي دينار! ودخل عليه رجل من عبد الدار فقال له: ممن أنت؟ فقال: من بنو عبد الدار. فقال هل: تجدها في جائزتك! فأمر له بمائة درهم.
ودخل أبو عمرو بن العلآء دار القُطن، فرأى على أعدال التجار مكتوباً: لأبو فلان. فقال: ياعجباً أيَلْحَنون ويَرْبَحون؟! وقال الحجاج ليحيى بن يعمر: أسمِعتني ألحن؟ قال: الأمير أفصح الناس! ثم اعاد عليه، فقال: نعم، حرفا واحدا! قال: أين؟ قال: في القرآن قال: ذلك اشنع! فما هو؟ قال: قرأت (قُلْ إِنْ كَانَ أَبَاؤُكُمْ وأَبناؤُكًمْ) إلى قوله (أَحب إِلَيْكُم) قرأت: احب، بالرفع كأنه لما طال الكلام نسيت ما ابتدأت به. فقال له الحجاج: لاجرم، لا تسمع ذلك مني أبدا! وألحقه بخراسان، وكان بها يزيد بن المُهلب فاستكتبه، فكتب: عن يزيد بن المهلب إلى الحجاج، إنا لقينا العدو، ففعلنا واضطررناهم إلى عُرعرة الجبل. فقال الحجاج: ما لابن المهلب ولذا الكلام؟ فقيل له: إن ابن يَعمر هناط. قال: ذاك إذا!.