وقال: أول من بنى المقصورة بالبصرة زيادٌ، وأول من جعل الأذانين يوم الجمعة زياد، وهو أول من جلس الناس بين يديه على الكراسي، وأول من أتخذ السقيف في حوانيت السوق، وأول من رفع الثياب، وأول من لبس الخفاف الساذجة، وأول من دعا النقري، وكانوا يدعون الجفلى.
ودخل ابن عياش على سلم بن قتيبة وبين يديه سلة زعفران، فقال: أنشدني بيتاً لايستطيع إنسان أن يقول: كذبت! وهي لك! فأنشده " من الطويل ":
وما حملتْ من ناقةٍ فوق رحلها ... أبرَّ وأوفى ذمَّةً من محمدِ
فقال: خذها، لابارك الله لك فيها! وقال: وقع الحريق ببعض سكك المدينة فيها دار أم أبان القوَّادة، فلم يُصب منزلها شيء، فغدا الحرفاء عليها بالتهنئة، فقالت: المحسنُ معان.
حضر مطيع بن إياس وشراعة بن الزندبوذ ويحيى بن زياد ووالبة بن الحباب وابن عياش المنتوف وحمَّاد عجرد، فتكايدوا عند بعض الأمراء من أهل الكوفة، فغلبهم مطيع بظرفه ثمّ بدههم بهذين البيتين " من البسيط ":
وخمسةٍ قد أبانوا لي كيادهم ... وقد تلَّظى لهم مقلىً وطنجيرُ
لو يقدرون على لحمي لمزَّقه ... قرْدٌ وكلبٌ وجرواه وخنزيرُ
ومات ابن عيَّاش رحمه الله سنة ثمان وخمسين ومائة.
٦٧ - ومن أخبار حُمران بن أعْيَنَ
هو أبو عبد الله حُمران بن أعين بن سنبس مولى الطائيين، هو قارئ حسن الصوت نحويٌ شاعرٌ شيعيٌ من شيعة جعفر بن محمد عليهما السلام. وقرأ على حمران حمزة بن حبيب، وقرأ حمران على أبي الأسود، وقرأ أبو الأسود على عليٍّ وعثمان رضي الله عنهما.
٦٨ - ومن أخبار زهير القُرقبيّ
هو زهير بن ميمون الهمداني القرقبيّ مولى النخع أو غيرهم، كان من علماء الكوفة، وإنما سُميّ القُرقبي لأنه كان يتجر إلى ناحية قُرقوب فنسب إليها. أخذ النحو من أصحاب أبي الأسود. ومات سنة ست وخمسين ومائة.
٦٩ - ومن أخبار حمزة بن حبيبٍ الزّيات
هو مولى بني عجلٍ وقيل مولى تيم الله، ولد سنة سبعين، وكان ثقة صاحب قراءة وفرائض صالحاً صدوقاً. - قال حمزة: القرآن ثلاثً مائة ألف حرف وثلاثة وسبعون ألف حرف ومائتان وخمسون حرفاً.
وقال: خرجت في تجارتي إلى حلوان، فلما كان منصرفي أدركني الليل في موضعه خرابٍ. قال: فسمعت قائلاً يقول: ماوجد هذا موضعاً ينزل فيه إلا ههنا؟ أما والله! وذكر كلمةً، فقلت: (شهد اللهُ أنَّه لا إله إلاَّ هُو والملائكَةُ وألولوا العلم قائماً بالقسط لاإله إلا هوَ العزيز الحكيم، إنَّ الدين عند الله الإسلام) . فسمعت قائلاً يقول: أبعدك الله! احرسه الآن حتى يصبح.
قال: وكان عمر بن عبد العزيز يتمثل بهذين البيتين " من الطويل ":
نهارك يامغرور سهوٌ وغفلةٌ ... وليبك نومٌ الردى لك لازمُ
وتكدح فيما سوف تكره غبَّة ... كذلك في الدنيا تعيش البهائمُ
وقال: دخل الحارث الأعور على عليٍّ رضي الله عنه فقال: ياأمير المؤمنين، ألا ترى الناس قد أقبلوا على الحديث وتركوا كتاب الله؟! فقال عليُّ: قد فعلوها؟ قال: نعم! قال: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ستكون فتمةٌ. قلت: ياأمير المؤمنين، فكيف المخرج منها؟ قال: كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر مابعدكم وحكمكم بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبَّار قصمه الله، ومن أراد الهدى في غيره أضله الله، وهو حبلُ الله المتين والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لاتزيغ به العقول، ولا تلتبس به الألسن، ولايخلق عن رد، ولا تنقضي عجائبه، ولايشبع منه علماؤه، وهو الذي سمتعه الجن حتى قالوا: (إنا سَمْعْنا قُرآناً، يهدي عجباً إلى الرشد) ، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن تمسك به هُدي إلى صراط مستقيم، خذها ياأعور! مات حمزة بحلوان في خلافة أبي جعفر المنصور سنة ست وخمسين ومائة رحمه الله تعالى.
[٧٠ - ومن أخبار حماد الراوية]
هو حماد بن سابور بن عبيد الراوية، وقيل: سابور بن المبارك بن عبيد، وقيل: ابن هرمز، وقيل: حمَّاد بن أبي ليلى، ويكنى أبا القاسم. وأبوه من سبيِ الديلم، سباه ابن لعروةَ بن زيد الطائي.