فقال: لله درُّك يابكر! كيف لي بك؟ فقلت: ياأمير المؤمنين، الغنم والفوز في قربك والنظر إليك، ولكني ألفت الوحدة وأنست بالانفراد، ولي أهل يوحشني البعد عنهم ويضر بهم ذلك، ومطالبة العادة أشدُّ من مطالبة الطباع. فأمر لي بألف دينار وكسوة وطيب، وانصرفت. - قال الصوليّ: البيت الأول للحارث بن خالد المخزومي.
قال عبد الصمد بن المعذَّل يهجوج " من المديد ":
وفتىً من مازنٍ سادَ أهل البصره ... أمُّه معرفةٌ وأبوه نكره
ومن شعر المازني في الفضل بن إسحاق أمير البصرة " من السريع ":
أخطأتُ في مدحك أخطأتُ ... وكُلُّ ما قلت عُضَيهاتُ
رمى لساني طمعٌ كاذبٌ ... إليك والسادات أمواتُ
والدهرُ ذو صرفٍ وفي صرفه ... أوابدُ تأتي وآفاتُ
أولَّها أنت على مصرنا ... مصيبةٌ فيها مصيباتُ
وقال يرثى رجلاً " من الوافر ":
جسورٌ لايُروَّع عند همٍ ... ولا يثني عزيمته اللقاءُ
حليمٌ في شراستهِ إذا ما ... جنى الحلماء أطلقها المراءُ
حميدٌ في عشيرته فقيدٌ ... يطيبُ عليه في الملاء الثناءُ
فإن تكن المنية أقصدته ... وحُمَّ عليه بالتلف القضاءُ
فقد أودى به كرمٌ وخيرٌ ... وعودٌ بالفضائل وابتداءُ
سمع المازني من بطن رجلٍ قرقرة فقال: هذه ضرطة مضمرة. - وقال: جاري أبو حفص بن سلمة الغفاري يخفضني منذ أربعين سنة، كلَّ غداة يمرَّ عليَّ فيها يقول لي: يا أبي عثمان، كيف أصبحت؟ توفي المازنيُّ في سنة ثلاث وثلاثين ومائتين في أيام المتوكل على الله.
٥٤ - ومن أخبار دماذ غُلام ابي عبيدة
هو أبو غسان رفيع بن سلمة دماذٌ، وسلمة هو ابن مسلم بن رفيع العبديُّ. قال ابن دريد: دماذ بالفارسية الفسيلة.
قال دماذ: قلتُ لأبي العتاهية: أنشدني أحسن ماقلت في غزلك! فأنشدني " من الطويل ":
يقولُ أناسٌ: لو نعت لنا الهوى ... ووالله ما أدري لهم كيف أنعتُ
سقامٌ على حسمي كبيرٌ موسَّعٌ ... ونومٌ على عيني قليلٌ مقَّوتُ
إذا اشتدَّ مابي كان أفضلَ حيلتي ... لها وضعُ كفي فوقَ خدي وأصمتُ
وأنضجُ وجه الأرض طوراً بعبرتي ... وأقرعها طوراً بظفري وأنكتُ
أما رحمتني يوم ولَّت وأسرعت ... وقد تركتني قائماً أتلَّفتُ
أُقلبُ طرفي أن أراها فلا أرى ... وأَحلُبُ عيني ماءها وأصوتُ
ولعمر بن أبي ربيعة في معناه " من المنسرح ":
لم أنس يومَ الرحيل وقفتها ... ودمعها في جفونها غرقُ
وقولها والركابُ سائرةٌ ... تتركنا هكذا وتنطلقُ
وقال دماذ " من المتقارب ":
تفكرت في النحو حتى مللت ... وأتعبتُ روحي به والبدنْ
وأتعبتُ بكراً وأصحابه ... بطول المسائلِ في كلَّ فنّ
وكنت عليماً بإضماره ... وكنتُ عليماً بما قد علنْ
وكنتُ بظاهره عالماُ ... وكنتُ بباطنه ذا فطن
سوى أنّ باباً عليه العفا ... ءُ للفاء يا ليته لم يكنْ
وللواو بابٌ إلى جنبه ... من البغض أحسبه قد لُعِنْ
إذا قلتُ: هاتوا لماذا يقال ... ل: لستُ بآتيك أو تأتين
أبيتوا لما قيل هذا كذا ... على النصب قالوا: لإضمار أنّ
وما إن علمتُ لها موضعاً ... يبينُ وأعرفُ إلا بظنّْ
فقد كدت يا بكر من طول ما ... أفكرُ في بعض ذا أن أجنّْ
قال محمد: وإنما جرى هذا لأن أهل البصرة يزعمون أنه لاينتصب فِعْلٌ إلا بإضمار أن. فإذا قال القائل " من الكامل ":
لاتنه عن خُلُقٍ وتأتيَ مِثلَهُ ... عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ