للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يخاف عليها جفوة الناس بعده ... ولا ختن يرجى اود من القبر

وانشد فيه رجل:

تبقى على الارض البسيطة واحد ... ساد الانام وانت ذاك الوحيد

قال رجل لابي العباس: المسجد هذا المعروف، فما المسجد؟ قال: مصدر السجود! قال: فعرفني ما لا يجوز من ذا! فقال: لا يجوز مسجد ولا مسجد! وضحك وقال: هذا يطول ان وصفنا ما لا يجوز، ومثلك مثل ابن ماسويه وصف لانسان دواء، ثم قال: كل الفروج وشيئاً من الفاكهة! فقال: اريد ان تخبرني بالذي لا آكل. فقال: لا تأكلني ولا حماري ولا غلامي، وهئ القراطيس وبكر الي، فإن هذا يكثر إن وصفته لك!.

وسأله رجل عن قول الله تعالى (انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) ، فقال: كل من احب ان يعبدمن دون الله، فهو ومن يعبده في النار. فقال له الرجل: فقد عبد المسيح وعبدت الملائكة!؟ فقال ثعلب: تجيئني بهذا العقل الضغير تسألني عن هذه المسئلة الكبيرة، أليس قد قلت لك: كل من احب ان يعبد من دون الله!؟ أفترى المسيح والملائكة أحبوا ان يعبدوا من دون الله!.

وسأله ابو موسى عن قوله تعالى (وكلم الله موسى تكليماً) ما اراد بقوله (تكليماً) في الكلام؟ فقال: إن المصدر إذا أكد به الفعل لم يكن الفعل لغواً كما قال بعض من يدعي ذلك! ألا ترى ان العرب تقول: قمت فضربت زيداً، فقمت كاللغو، ولا يقولون: قمت قياماً فضربت زيداً، ولو قال قائل: كلمت زيداً، لجاز أن يكون كلمه برسالة وكتاب وشفاها، فإذا اكده بالمصدر كان شفاها، فلم يكن غير ذلك (وكلم الله موسى تكليماً) تولى ذلك بنفسه.

وسئل عن معنى قوله: ما منكم من أحد إلا سيخلوا به ربه ليس بينه وبينه ترجمان فيسأله! فقال: كفاحا، ليس بينهما رسول ولا ترجمان.

قال الصولي: كنا يوماً عند ابي العباس ثعلب، فغضب على المدائني في شئ، فأفرط ثم سكن فقال: حدثني من رأى العتابي يخاصم وقد زادفي القول واظطرب، فعوتب على ذلك، فقال: اذا تشاجرت الخصوم طاشت الحلوم ونسيت العلوم.

استعار بعض اهل العلم من ثعلب كتاباً لينسخ ويسمع، فدفع إليه فرعاً من فروعه. فسقط عنه، فرجه فأخبره بسقوط الكتاب منه وذهب يعتذر، فدخل ثعلبٌ إلى منزله وأخرج الأصل ثمّ أنشد " من الطويل ":

إذا كان لي شيئانِ يا أُمَّ مالكٍ ... فإنّ لجاري منهما ما تخيَّرا

وفي واحدٍ إن لم يَكُنْ غَيَرَ واحدٍ ... أراه له أهلاً وإن كنتُ مًعسرا

جاء رجلٌ إلى ثعلب مودعاً، فلمَّا فرغ من وداعه قال: أعزَّك الله، تزودني بيتين!؟ اكتب " من البسيط ":

أضسْتودعُ اللهَ جيراناً لنا شسعوا ... خلَّوا ديارهم للجدْبِ وانتجعوا

من ذا يخبرهم عن ريفِ أرضهم ... من ماء عيني له البشرى إذا رجعوا

قال أبو الحسن الأسديّ: تركتُ النبيذ وأخبرتُ أبا العباس بتركي إياه، ثمّ لقيتُ محمّد بن عبد الله بن طاهر، فسقاني، فمررتُ على ثعلب وهو جالسٌ على باب منزله، فلمَّا رآني علم أنيّ شاربٌ، فقام ليدخل منزله، ثمّ وقف على بابه، فلمَّا أن حاذيتهُ أنشأ يقول " من المنسرح ":

قد كنتَ من بعدما نسكتَ وصا ... حبتَ ابن سهلان صاحب السقطِ

إنْ كنتَ أحدثت زلَّةً غلطا ... فاللهُ يَعْفو عن زَلَّةِ الغلطِ

وتركني ودخل منزله. ثمّ سألته بعد ذلك: من ابن سهلان؟ فقال: أهلُ الطائف يُسمون الخمار صاحب السَقَط.

تُوفي ثعلبٌ في إحدى وتسعين ومائتين، ودفن في صبيحة يومه ذلك بمقابر باب الشأم. وكان سبب وفاته أنه خرج من مسجد الجامع بعد صلاة العصر يريد منزله وبيده دفترٌ ينظُرُ فيه، وثقلَ سمعهُ، فصدمه دابةٌ، فسقط على رأسه فو هوَّةٍ، فحُمل إلى بيته، فما زال يتأوَّهُ من رأسه حتى مات رحمه الله تعالى.

١٠٩ - ومن أخبار أبي العباس محمّد بن الحسن الأحْوَل

قال إسماعيل بن نُوبْخت: مررنا بخرابة الحسن بن سهل، فشممتُ من بيوتها رائحة المسك، فأخبرتُ بذلك أبا العباس الأحول، فقال: إنّ الديار القديمة تطيب روائحها إذا اجتنبها ما يقذرها. ثمّ أنشدني " من المنسرح ":

غّدَتْ بهم عنك نيَّةٌ قذفٌ ... غادرت الشعب غير ملتمئمِ

واستودعتْ نشرها الديارَ فما ... تزدادُ إلا طيباً على القدِمِ

<<  <   >  >>