فأقرن ولاة عهود المسلمين يمن ... ترضى خلائقه واطرد أخا الحوب
كان المتوكل ألزم يعقوب ليردب المعتز بالله، فلما جلس عنده قال له: بأي شئ يحب الامير ان نبدأ من العلوم؟ قال له: بالانصراف! قال: فأقوم. أنا اخاف نهوضاً منك! فقام المعتز واستعجل فعثر بسراويله وسقط فالتفت إلى ابن السكيت كالخجل، فأنشد ابن السكيت:
يصاب الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يصاب المرء من عثرة الرجل
فعثرته في القول تذهب رأسه ... وعثرته في الرجل تبرأ في مهل
توفي ابن السكيت سنة ست واربعين ومائتين، ويقال: إن المتوكل ناله بشئ حتى قتل.
[١٠٣ - ومن أخبار أبي محمد سلمة بن عاصم النحوي]
قال: قال ابن حبيب: إذا قلت للرجل: أيش صناعتك؟ فقال: معلم! فأصفع وانشد:
إن المعلم لا يزال معلماً ... لو كان علم آدم الاسماء
من علم الصبيان صبوا عقله ... حتى بني الخلفاء والامراء
[١٠٤ - ومن اخبار الزبير بن بكار]
قال: هو الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام. قال: عادلت المتوكل على الله من الجوسق الى المحمدية، فلما سرنا قال: يا زبير، من افضل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فخفت أن اقول علي، فيقول: قدمته على ابي بكر، مع ما اعرف من رأيه، وخشيت ان اقول ابو بكر، فيقول فضلت على آل رسول الله صلى الله عليه وسلم غيرهم. قال: فسكتت، فأقتضاني الجواب، فسكتت، فقال: ما لك لا تجيب؟ فقلت: سمعت الناس بالمدينة يقولون: ابو بكر خير الصحابة وعلي خير القرابة. قال: فأرضاه ذلك وكف.
وقال: أتيت الفتح بن خاقان أسأله أن يستأذن لي المتوكل في الحج، فوعدني، فأنشدته:
ما انت بالسبب الضعيف وانما ... نجح الاكور بقوة الاسباب
فاليوم حاجتنا إليك وغنما ... يدعي الطبيب لساعة الاوصاب
فأستأذن لي على المتوكل، فودعته ثم خرجت، وخرج الفتح بن خاقان فقال: جائزتك تلحقك وكتاب عهدك بلاقضاء على مكة لاحق بك! فلما صرت الى منزلي إذا خادم معه ثلاثون الف درهم، فخرجت، فلما وافيت مكة إذا رسوله ومعه عهدي، فدخلتها واليا عليها.
قال الزبير بن بكار: كان العباس بن الاحنف أطرف الناس في قوله:
اقول اسرارا واعلانا ... النب إن كنت غضبانا
ما شامني غيري ولا عذر لي ... عن كان ما كان كما كانا
يا أمس في سائر عسالة ... ما كان أحلاك وأحلانا
إذ كاسنا معملة بيننا ... مزاجها التقبيل أحيانا
وقال: العباس هو اشعر الناس في قوله:
تعتل بالشغل عنا ما تكلمنا ... والشغل للقلب ليس الشغل للبدن
توفي بمكة سنة ست وخمسين ومائتين وهو ابن اربع وثمانين سنة.
[١٠٥ - ومن اخبار حماد بن اسحاق بن ابراهيم الموصلي]
كنيته ابو الفضل، كان اديباً راوية، شارك اباه في كثير سماعه، وسمع عن ابي عبيدة والاصمعي، وألف كتباً واخذ اكثر علم ابيه.
[١٠٦ - ومن اخبار ابي العيناء]
هو ابو عبد الله محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر بن سليمان، وابو العيناء لقب غلب عليه. ولد سنة إحدى وتسعين ومائة، وتوفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين. قيل: كم تعد؟ قال: قبضة! يعني ثلاثاً وتسعين. وكان فصيحاً سريع الجواب. وقال له بعض الكتاب وقد رآه ضعيفاً من الكبر: كيف اصبحت؟ فقال: في الداء الذي يتمناه الناس. ولأبي علي البصير فيه:
قد كنت خفت يد الوما ... ن عليك إذ ذهب البصر
لم ادر أنك بالعمى ... تغنى ويفتقر البشر
قال له المتوكل يوماً: كم تمدح الناس وتذمهم؟ فقال: ما احسنوا وأساوا وهذا ادب الله، إذا رضي عن عبد قال: (نعم العبد انه اواب) ، واذا غضب على ىخر قال " هماز مشاء بنميم، مناع للخير معتد اثيم، عتل بعد ذلك زنيم) .
وقال خطب رجل الى قوم، فبينما هو في ذلك إذا انعظ، فضرب ذكره بيده وقال: إليك يساق الحديث.
قيل له: إن ابراهيم بن نوح النصراني عليك عاتب! فقال: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) .