وقال: قال لي الرشيد: كم أسم في (فَسَيَكْفيكَهُم اللهُ٩؟ قلت: ثلاثة أسماء، يا أمير المؤمنين، أولها اسم الله عز وجل، والثاني اسم النبي صلى الله عليه وسلم، والثالث اسم الكفرة، فالياء والكاف والفاء والياء المتصلات بالسين لله عز وجل، والكاف المتصلة بالهاء للنبي صلى الله عليه وسلم، والهاءُ والميم للكفرة. قال: كذا قال الشيخ! وأشار بيده إلى الكسائي. وأنشد المفضل " من الطويل ":
لها من عُيونُ العين عينُ مريضةٌ ... ومن خضرة الريحان خضرةُ شاربِ
كأن غلاماً حاذقاً خطه لها ... فجاء بنصف الصاد من خط كاتبِ
وقال: دخلت على المهدي، فقال: أنشدني أربعة أبيات، لاتزد عليهن قبل أن تجلس! وعنده عبد الله بن مالك الخزاعي، فأنشدته " من الطويل ":
وأشعَُ قد قدَّ السفار قميصهُ ... يَجُرُ شواءً بالعصا غير منضجٍ
دعوتُ إلى مانابني فأجابني ... كريمٌ من الفتيان غير مزلَّجِ
فتىً يملأُ الشيزي ويروي سنانهُ ... ويضربُ في رأس الكمي المدجَّجِ
فتىً ليس الراضي بأدنى معيشةٍ ... ولا في بيوت القوم بالمتولجِ
فقال المهدي: هذا! وأشار إلى عبد الله بن مالك. - حاشية في الأصل: ومدح بعض الأعراب الرشيد بشعرٍ حسنٍ، فقال له الرشيد: أسمعك مستحسناً وأنكرك متهماً، فإن كنت صاحب هذا الشعر فقل في هذين بيتين! وأشار إلى عبد الله ومحمد، فقال: حملتني على غير الجدد روعةُ الخلافة ونهد البديهة ونفور القول في الرواية لاتتألف لي، فقرأتها إلا بفكرٍ، فليمهلني أمير المؤمنين قليلاً. قال: أمهلك وأجعل لك حسن اعتذارك بدلاً في أمتحانك. قال: يا أمير المؤمني، نفست الخناق وسهلت ميدان السباق. ثمّ قال " من الطويل ":
بنيتَ لعبد الله بعد محمد ... ذُرى قُبّةِ الإسلام فاحضر عُودها
هما طنباها بارك الله فيهما ... وأنت أميرُ المؤمنين عمودها
قال: أحسنت! فلا تكن مسألتك دون إحسانك! فقال: الهنيدة، أمير المؤمنين! فأمر له بها.
وقال المفضل: قال لي المهدي: أسهرتني البارحة هذه الأبيات " من الطويل ":
وقد تعذرُ الدُنيا فيضحي غنيها ... فقيراً ويغني بعد بؤسٍ فقيرها
فلا تقرب الأمر الحرامَ فإنه ... حلاوته تفنى ويبقى مريرها
وكم قد رأينا من تغير عيشةٍ ... وأخرى صفا بعد اكدرار غديرها
فلا تلهك الدنيا عن الحق فاعتملْ ... لآخرة لا بدَّ أن ستصيرها
وقال: سايرت الرشيد يوم منصرفه من مكة، فسنح لنا ذئبٌ، فقال الرشيد: ماأحسن ما قيل في الذئب؟ فقلت " من الرجز ":
أطْلَسُ يُخفي شخصهُ غُبارهُ ... في فمهِ شفرته وناره
فقال: أحسن الشاعر ولكن أحفظ ماهو أحسن من هذا، فإنْ جئت به ولك خاتمي! فقلت: لعلَّ أمير المؤمنين يريد " من الطويل ":
ينامُ بإحدى مقلتيه ويتَّقي ... المنايا بأخرى فهو يقظان هاجعُ
فقال: ماطرح هذا على لسانك إلا لذهاب خاتمي! ورمى به إليّ.
وقال المفضل: أحسن ما قيل في القَسَم قولُ الأشتر " من الكامل ":
بقيَّتُ وفري وانحرفتُ عن العلا ... ولقيتُ أضيافي بوجه عبُوسِ
لإنْ لم أُشُنَّ على ابن هند غارةً ... لم تخل يوماً من نهاب نفوسِ
خيلاً كأمثال السعالي شُرباً ... تعدو ببيضٍ في الكريهة شوسِ
حمي الحديدُ عليهمُ فكأنهُ ... لمعانُ برقٍ أو شعاعُ شُمُوسِ
وقال: كان في خثعم رجلُ كان يقول " من الكامل ":
لو كنتُ أنهضُ في المكارم صاعداً ... مثل انحداري كنتُ سيّدَ خثعم
قال: فضرب الدهر من ضربه وتفانى القوم، فاحتاجوا إلى أن سوَّدوه عليهم، فكان يقول " من الكامل ":
خلتِ الديارُ فسدت غير مسوَّدِ ... ومن الشقاء تفرُّدي بالسُوددِ
٧٤ - ومن أخبار الشرْقيّ بن القطاميّ
هو أبو المثنى الوليد بن الحصين بن جمال بن حبيب بن جابر بن مران - وهو مالك بن عمرو - النسابة، وكان أعور، كلبيّ.