فتأويله: لايجتمع فيك هذان الأمران أن تنهى عن خلق وأن تأتي مثله، وإذا قال: لستُ بآتيك أو تأتيني، فتأويله: لست بآتيك إلا أن تأتيني. وأما الفاء فقول الله تعالى: (يالَيْتَني كُنْتُ مَعَهُمْ فأفُوزَ فوزاً عظيماً) فتأويله: ياليتني يجمع لي أن أكون معهم فأن أفوز فوزاً عظيماً.
وقال دماذٌ في عبَّاد بن الممزق " من البسيط ":
عَبَّادُ تمدحُ أيري ثمّ تهجوني ... وليس يفعلُ هذا غير مجنون
أليس أيريلحاك اللهمن جسديفكيف بالمدح تحبوه وتهجوني
فكفَّ عني فما أصبحتُ من أربي ... نيك الشيوخ ولا رأيي ولا ديني
وهل يناك امرؤٌ والشيبُ شاملهُ ... قد لاح في عارضٍ منه وعثنونِ
إني لأخسرُ خلقِ اللهِ كُلهم ... إن قُمتُ أنكحُ شيخاً وابن ستين
وقال " من المنسرح ":
آبائي وجهك المفدَّى ... والوجناتُ الوُردَّاتُ
وعارضاك اللذان طابا ... حين بدا فيهما النباتُ
٥٥ - ومن أخبار أبي عمران موسى بن سلمة النحويّ
كان من أجل رواة الأصمعي وأملي كتب الأصمعي ببغداد. وكان صديقاً لأبي نواس، وكان أبو نواس يعاتبه ويقول له: ويحك لم تذهب إلى الأصمعي وأنت أعلم منه؟!
٥٦ - ومن أخبار أبي حاتم السجستانيّ
واسمه سهل بن محمد بن عثمان بن القاسم. وكان يؤُمُّ الناس في المسجد الجامع بالبصرة، ويقرأ الكتب على المنبر، وكان حسن الصوت جهيره حافظاً للقرآم عالماً بالقراآت والتفسير، وكان أحسن الناس علماً بالعروض واستخراج المعمى، وكان يعدُّ من الشعراء المتوسطين، وكان راوية عن أبي زيد والأصمعي وعمرو بن كركرة النميري وأبي عبيدة. - وقدم بغداد وما قام له أحدٌ لتصرفه في العلوم، وكان دون المازني في النحو، وكان فيه دعابةٌ شديدة.
قال إبراهيم بن أحمد الغفاري القاضي عن أبيه: لأهل البصرة أربعة كتبٍ يفتخرون بها على أهل الأرض العين للخليل والنحو لسيبويه والحيوان للجاحظ والقراآت لأبي حاتم. - وكان الأصمعي يجله من أجل القرآن، ويقوم له ويعانقه.
قال أبو حاتم: ولي البصرة وأعمالها رجلٌ من بني هاشم سنةٍ ستٍ وسبعين ومائتين، وكان رجلاً له جلالةٌ وسنٌّ. قال: فدخلت عليه، فقال: من علماؤكم بالبصرة؟ قلت: المازني من أعلم الناس بالنحو، والرياشي من أرواهم لعلم الأصمعي، والزيادي من أعلمهم بأخبار أبي زيد، وهلال الرأي من أعلمهم بالرأي، وابن الكلبي من أكتبهم للشروط، والشاذ كوني من أرواهم للحديث، وأنا فأنسب إلى علم القرآن. قال: فأقبل على حاجبه وقال: إذا كان غداً فاجمعهم عندي! فلما كان الغد جمعهم في مجلسٍ واحدٍ. فقال: أيكم أبو عثمان المازني؟ قال: هاأنا ذا. قال: فما تقول في الظهار، أيجوز فيها عتقُ عبد أعور؟ قال: وما علمي بهذا علم هذا عند هلال الرأي. فأقبل على هلال فقال: ماتقول في قول الله تعالى: (يَا أيها الذينَ آمنُوا عَلَيكمْ أنفُسَكُمْ) لِمَ نسب؟ قال: وماعلمي بهذا علمه عند أبي عثمان المازني. ثمّ أقبل على الزيادي فقال: مالعنجد في كلام العرب؟ قال: وماعلمي بهذا علمه عند الرياشي. فأقبل على الرياشي فقال: كيف تكتب وثيقةً بين رجلٍ وامرأةٍ إذا أختلفت من زوجها بترك صداقها؟ قال: وماعلمي بهذا علمه عند ابن الكلبي. فأقبل على ابن الكلبي وقال: كم رجلاً روى عن ابن عون الحديث؟ قال: وماعلمي بهذا علمه عند ابن الشاذ كوني. فأقبل على ابن الشاذكوني وقال: (ألا إنَّهُمْ يَثنُون صُدُورهم) . فقال: وماعلمي بهذا علمه عند أبي حاتم. فأقبل عليَّ فقال: اكتب لي كتاباً إلى أمير المؤمنين تصف فيه خصاصة أهل البصرة، ومانالهم من الآفات في نخلهم! قلت: أعزك الله، مالي بلاغةٌ ولاأحسن إنشاء الكتب إلى السلطان. قال: إنما مثلكم مثل الحمار، يبقى أحدكم في المعنى الواحد خمسين سنة ثمّ يقول: أنا عالم، لكن عالمنا بالكوفة، لو سئل عن هذا أجمع لأجاب فيه! - يعني نفسه. قال أبو حاتم: قضى لولايته بذلك وشرفه وموضعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.