كان في أول هذا الكتاب سئل قتادة: لمَ سُميت البصرة بها؟ فقال: قالت العرب: أنزلونا أرضاً بَصْرةً! أي غليظة. وفي أخرى أنه قال: أتدرون من مصر البصرة؟ قيل: لا! قال: رجل من بني شيبان يُسمى المثنى بن حارثة وإنه كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إني نزلتُ أرضاً بصرة. فكتب إليه: إذا أتاك كتابي هذا فأثبت حتى يأتيك أمري! فبعث عُتبة بن غزوان معلماً وأميراً، فغزا الأبُلَّة، وقال له حين وجهَّه: سِرْ! فإذا بلغت أقصى أرض العرب وأدنى أرض البيضاء. - وقال ابن دريد: الشيحُ والقيصوم أناخ فنزل، وذلك عند البيضاء. - وقال ابن دريد: البيضاء بالبصرة دارُ عبيد الله بن زياد. - وخطَّأ أبو حاتم تعليل قتادة وقال: لو كان كما ذكره لكانت النسبة إليها بصرياً كنمري، وإنما سُميت بها للحجارة البيض التي في المِرْبد. - ووصف عُتبة بن غزوان لعمر رضي الله عنه أرض البصرة فقال: فيها حجارةٌ بيضٌ خُشن. فقال عمر: هي البصرة.
قال الأصمعي: يقال إنَّ البصرة من أرض الهند، ويقال لها المؤتفكة والخُريبة وتَدْمُرُ والبصيرة. وقال: سواد البصرة الأهواز وفارس وميسان ودستميسان، وسواد الكوفة كسكر إلى الزاب إلى عمل حُلْوان إلى القادسية.
وعن إياس بن معاوية: مثلت الدنيا على طائر، فالبصرة ومصر الجناحان والشأم الرأس والجزيرة الجؤُجؤ واليمن الذنب.
بعث أبو موسى وفداً إلى عمر بن الخطاب فيهم الأحنف بن قيس وهو أضغرهم سناً، فقام ذوو الأسنان فتكلموا، فكان عامة كلامهم الثناء على أمرائهم وحوائج أنفسهم. ثمّ قام ألحنف فقال: ياأمير المؤمنين، إن إخواننا من أهل الكوفة نزلوا منازل كسرى في العيون العذاب والجنان الخصبة في مثل عين الجمل الفاسقة، يأتيهم ماأتاهم من ثمارهم غضاً غريضاً لم ينخضد؛ وإن إخواننا من أهل مصر نزلوا منازل الفراعنة والأمم الخالية؛ وإن إخواننا من أهل الشأم نزلوا منازل بني جفنة وقيصر والروم؛ وإنَّا معاشر أهل البصرة نزلنا في سبخة نشاشة زعقة هشاشة لايجف ثراها ولا ينبتُ مرعاها، طرف لها بالفلاة وآخر في البحر الأجاج، يُجرُّ إليها مايجر في مثل مريءٍ النعامة؛ فإن رأى أمير المؤمنين أن يرفع خسيسنا وينعش كيستنا ويزيد في أرزاق عيالنا وأن يصغر درهمنا ويكبر قفيزنا وأن يأمر لنا بنهر يُحفر. ففعل عمر ذلك وقال: ليس فيكم مثل هذا، كلُّ منكم إنما تكلم في حوائج نفسه، وهذا تكلم في أمر الرعية وعامة الناس، فهو سيّد مسوَّدٌ! ثمّ أمر زياداً بحفر نهر الأبُلة، فحفره. فلمَّا بلغ الفتق تيَّمن زياد بمعقل بن يسار لصحبته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففتقه معقل فنسب إليه، فسلّم زياد ألف درهم إلى صاحب يدفعها إلى من يشيع أنه نهر زياد، فكلُّ من كلمه فيه لايقول إلا نهر معقل، فردّ الألف.
في فضل البصرة، روى أبو ذز قال: أُهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طبقٌ من تمرٍ أو رطب، فجعل يأكل منه البَرْنيَّ والقريثاء، ثم قال: اللهمَّ إنك تعلم أني أُحبها فأنبتها في أحب البلاد إليك واجعل عندها آية بينة! - قال الحسن: فوالله ما أعلمها في بلدٍ أكثر منهما بالبصرة، وقد جعل الله عندها آية بينة المَدَّ والجزر.
وقال محمد بن سلام الجُمَحي: كان بالبصرة أربعة كلُّ واحد منهم عالمُ زمانه، لايعلمُ في الأمصار مثله: الأحنف بن قيس في حلمه وعفافه ومنزلته، والحسن في زهده وفصاحته وسخائه وموقعه من قلوب الناس، والمهلَّب بن أبي صُفرة في شجاعته ونجدته، وسوار بن عبد الله القاضي في عفافه وتحريه للحق.
وقال أبو العيناء محمد بن القاسم اليمامي: يقال: لايعرف بلدٌ أقربُ برَّا من بحر وحضرا من بدوٍ وقانصَ وحش وصائد سمك ونجدا من عور من البصرة، واسطة الأرض وفرضة التُجار ومغيض الأمطار ومسكن الأحرار، عجب أولها رُطب وأوسطها قصب وآخرها العطب - والعطب القطن -، لهم الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل، الملَّقحات بالفحل، تعلَّةُ الصبي والشبخ وتحفة مريم عليها السلام. - نجز ماكان في أول الكتاب من أخبار البصرة.