للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هو ابو عليّ محمد بن المستنير، أحد من اختلف إلى سيبويه وتعلم منه، ولم يقرأ كتابه عليه، وكان يدلج إليه، وإذا خرج رآه على بابه غدوةً وعشية، فقال له: ماأنت إلا قُطرب ايل! فلُقب به. - قال ابن دريد: قطرب وقطروب ذكر الغيلان. قال: ولغة أزدية يسمون الكلاب الصغار القطارب. وقال ثعلبٌ: القطرب دويبةٌ كثيرة الحركة وهو الصرار.

قال: يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنّ أحدكم جيفة ليل قطرب نهار! أي لايقوم بالليل لخير ولاصلاة ويتحرك بالنهار كهذه الدويبة.

قال: ولقطرب كتب كثيرة في اللغة والنحو والعروض ومعاني الشعر وغريب الحديث وكتاب في القرآن لم يسبقه إلى مثله أحدٌ.

وكان لقطرب ابنٌ مع أبي دلف، فحضر يوماً معه بعض الحروب، فجاءه سهم في رأسه، فحمل مغشياً عليه، فجمع له المتطببين وأمرهم بإخراج السهم من رأسه، فقالوا: إن أخرج السهم ولم يخالطه الدماغ عاش، وإن كان قد خالطه لم يعش. ففتح ابن قطرب عينه وقال: انزعةه! فلو كان في رأسي دماغٌ ماحضرتُ هذا الموضع. فقال أبو دلف من قصيدة " من الكامل ":

وليشكرن أبو عليٍ قطربٌ ... مني يدا بيضاء غير عُقامِ

ردي عليه فتاهُ بعد ثوائه ... رهناً لكل مهنَّدٍ قصام

في حيث لاتجدي عليه دفاترٌ ... موسومةٌ برواقش الأقلام

لا النحو ينفعه ولا إتقانه ... علم العروض ومذهب النظاَّم

ومن شعر قطرب " من البسيط ":

إن كنتَ لستَ معي فالذكرُ منك معي ... قلبي يراك إذا ماغبتَ عن بصري

فالعينُ تُبصرُ من تهوى وتفقده ... وناظرُ القلبِ لايخلو من الذكر

ويروى لقطرب في مرثية محمد بن منصور - وقيل لكُثير في عمر بن عبد العزيز وقيل لبعض الأعراب " من الكامل ":

لهفي عليك للهفةٍ من خائفِ ... كنتَ المُجير لها وليس مجير

أمَّا القبور فإنهنّ أوانسٌ ... بجوار قبرك والديارُ قبور

عَمَّتْ صنائعه فعَمَّ مُصابه ... فالناسُ فيه كلُّهم مأجورُ

والناسُ مأتمُهمُ عليه واحدٌ ... في كلّ دارٍ رنَّةٌ وزفيرُ

عمّت مصيبنهُ فصارت أسوةً ... للناس كلهم فليس صبور

يُثني عليك لسانُ من لم توله ... خيرا لأنك بالثناء جدير

ردَّت صنائعه عليه حياته ... فكأنه من نشرها منشور

وقال في أعلام النبي صلى الله عليه وسل " من الطويل ":

حمدتُ إلهي وامتدحت نبيَّهُ ... نبيَّ الهُدى الهادي وإياه أحمدُ

توحَّد فيه بالصنيعة إنه ... بكلّ جميلٍ بادئٌ متوحدُ

إليكَ رسولَ الله منَّا تحيَّةٌ ... وصلى عليك العابدُ المتهجدُ

فأنت رسول الله هادٍ ومهتدٍ ... نبيُّ هُدى للأنبياءِ مؤيدُ

وقد قال حسّان وفي الشعر شاهدٌ ... تجددهُ الأيامُ يُروى ويُنشدُ

أغرُّ عليه للنبوة خاتمٌ ... من الله مشهورٌ يلوحُ ويشهدُ

وأعطاه من لفظ اسمه ليُجلَّهُ ... فذو العرٍش محمود وهذا محمَّد

فقلتُ شبيهاً بالذي قال إنني ... به مؤمنٌ حقّاً لربي موُحدُ

وضمَّ الإله اسم النبي إلى اسمه ... إذا قال في الخمس المؤذنُ: أشهدُ

فلا يُقبل التوحيدُ إلا بذكره ... ليقرنهُ عند النداء المُوحدُ

وماجاء يدعونا بغير دلالةٍ ... ولكن بآيات تدلُّ وتشهدُ

سمعنا له منها بخمسين آية ... سأذكرُ عنه بعضها وأجددُ

فمنها كلامُ الذئب للرجل الذي ... رأى الذئب في أعناقه يتردَّدُ

عجبتُ لأخذي منك شاةً رزقتها ... وهذا رسول الله يؤذى ويجحدُ

فخلَّى عن الشاة التي كان ضمَّها ... وأقبلَ للإسلام يسعى ويحفدُ

دعا شجرا حتى يجامع مثله ... فجاء يشقُ الأرض والأرض فدفَدُ

فضمَّهما حتى رأى الناسُ فعله ... وردَّ التي جاءت إلى حيث يعهد

<<  <   >  >>