ومن ذاك جذعٌ حن شوقاً إلى الرضا ... فما زال ساعات يميلً ويسند
وقد سمعوا صوتاً من الجذع بيتنا ... فيا عجباً ممَّن يشكُ ويُلحدُ
ومن دون هذا حُجَّةٌ ودلالةٌ ... كأن الذي يعدوهما يتعمدُ
ومن ذاك شاةٌ خلوة الضرع مسَّها ... فدرَّت بغزرٍ حافلٍ يتزَّبدُ
فقام إليها الحالبان فأترعا ... أوانيها والضرعُ ريَّانُ أبرْدُ
يدٌ مسَّت الأطباءُ وبوركت ... مؤيدةً بالله وهو المؤيَّد
مطهرةً التركيب من كل آفةٍ ... مباركةَ الأفعال ما مثلها يدُ
وسار إلى البيت المُدَّس ليلة ... مسيرةَ شهرٍ واردٌ ليس يُطرد
يخبرُ بالعير التي في طريقه ... ليوُقن أهل الشِرك ذاك فيسعد
مسيرة شهرٍ من تهامة ذاهباً ... إليه وشهرٍ راجعاً حين يجهد
ومنا ذراعٌ مسَّها فتكلمت ... تحذره من أكلها وتؤكد
وكانت ذراعاً قُدمت في طعامه ... وقد سمَّها قومٌ لأحمدَ حُسَّدُ
وكان الذي قالت له: لاتمسنيَّ ... ففيَّ سُمومٌ حَرُّها ليس يَبْردُ
فأمسك عنها والنبيُّ مؤيدٌ ... يُوفقهُ ربٌّ رحيمٌ ويُرشدُ
ومن ذاك عينٌ جاد فيها بتفلةٍ ... فأبصر من كانت له حيث يقصدُ
وسالت على الخدين منها غشاوةٌ ... فعاد بها في جفنه يتوقدُ
وما كان يرجو أن تعود بصيرةً ... وقد ذهبت حيناً وكان يُقَّودُ
ولكن رسول الله أصلحها له ... وتصلحُ في الله الأمورُ وتفسدُ
وقد رام هذا الفعل من عين أعور ... مسيلمة الكذاب يبغي ويحسدُ
فلم تبره العين التي كان يشتكي ... ولم تسلم الأخرى التي كان يحمد
فأعماه لمّلأ أن دنا لعلاجه ... ليفرق بين الحق والبُطل أحمدُ
وشاءٌ لعبد القيس مرَّ بأذنها ... فلاحت شهابُ منه تبقى وتخلد
وصار على أولادها منه ميسم ... يلوحُ على آذائها حين تُولدُ
يُخبر عمَّا لم يجيء بمجيئه ... وما قال فيه اليوم جاء به الغد
ومضمر أمر قال ما في ضميره ... دلائل منه بالنبوة تشهد
ومن ذاك أخبارٌ عن الغيب قالها ... يُعاينُ منه الصدق فيها ويُوجدُ
فسودده بالله إذ كان وحيه ... إليه وهل فوق النبوة سُودد
وكان يسمي في قريشٍ أمينها ... فلم يأته الأصنام إذ ذاك تعبدُ
فأظهر بالإسلام دعوة صادقٍ ... فضَّل له سهمٌ إليها مُسَدّدُ
ففاضت عيون البئر من كل جانبٍ ... بماءٍ فراتٍ نابعٍ يتوَّلدُ
فأسقتهم حتى رووا وركابهم ... وقد زوَّدوا منه الذي يُتزوَّدُ
وكان أراد الشأم في بعض أمره ... فأقبل سيلً ينشرُ الأرض مُزْبدُ
فقحَّمَ في سيلٍ بعاقٍ يعُمُّه ... فصار طريقاً يابساً يتخدَّدُ
ويسمعُ من أصواتها في طريقه ... تمجدهُ أنّ النبيَّ مُمجَّدُ
وليس رأى إلا الحجارة حوله ... ويسمع صوتاً بالسلام يُردَّدُ
وفي مزود إحدى وعشرون تمرةً ... به جاءت الآثار تروى وتسند
وقد ضمَّها قدَّامه في ردائه ... وأقبل يدعو ربَّه ويمجدُ
فزادت ولاتحصى زيادات ربنا ... ولايبلغ الغايات منها المعدد
ثلاثة آلافٍ قضوا منه شبعهم ... وما أفضلوا حتى احتشى منه مزود
وجهز منه مزنة فوق رأسه ... رآها بحيرا الراهب المتعبدُ
تُظلله من كل حر يصبه ... تقيمُ عليه ما أقام فيركدُ