للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قيل: رواة الكوفة أربعة: حماد - ولقبَّه الخرجوني - وجناد وابن الجصاص والمفضَّل، ورواة بغداد أربعة: أبو عمرو الراوية والأثرم وابن الأعرابي والطوسي.

تلاحوا في مجلس المنصور من أشعر الناس، فسئل حمَّاد عن ذلك فقال: صناجة العرب! - يعني الأعشى، وسُمي به لقوله " من البسيط ":

ومستجيبٍ تخالُ الصنج يسمعهُ ... إذا تُؤجع فيه القينة الفضلُ

المستجيب المزمار ههنا، وقيل: العود. وسئل عن عمر بن أبي ربيعة، فقال: ذلك الفستق المقشر. وسئل عن شعر امرئ القيس، فقال: ماأقول؟ مبتدئ ياحسان، والناسُ بعده له تبع لايلحقونه. قيل: فالنابغة الذبياني؟ قال: ذاك كاتبُ الشعراء، أحسنهم نمطاً وأحضرهم احتجاجاً. قيل: فزُهير؟ قال: ذاك حكيمُ العرب، أشدُّهم أسرَ كلامٍ ومبالغة في مدح. قيل: فالأعشى؟ قال: ذاك أجمعهم للمعاني، وأكثرهم شعراً وفنوناً، وما أقيسُ به أحداً. قيل: فجريرٌ؟ قال: جرو خراشٍ ينطبق بملء فيه ويذهب في كُلّ فنّ. قيل: فالفرزدق؟ قال: أكثر العرب شعراً وأبعدهم ذكراً وأوسعهم فكراً وأجودهم فخراً. قيل: فالأخطل؟ قال: ذاك شاعرٌ قد حبب شعره إل] ذَ النصرانية. وقال حماد: لو مات الأخطل مسلماً لشهدتُ له بالجنة بقوله " من الكامل ":

وإذا أفتقرت إلى الذخائر لم تجدْ ... ذخراً يكون كصالح الأعمالِ

وقال حماَّد: بينا أنا أسيرُ ليلاً إذ أنا برجلٍ على ظهر ظليم وهو يقول ويجئُ ويذهب " من الرجز ":

هَلْ يُبْلِغهم إلى الصباح ... هيقٌ كأنّ رأسه جُماحْ

- الجُماح السَهْم الذي لانصل له يجعل على رأسه طينٌ يُلعب به لئلا يعقر - قال: فعلمتُ أنه ليس بإنسي، فقلت له: ياهذا من أشعر الناس؟ قال: الذي يقول " من الطويل ":

تَطرُدُ القُرَّ بحرٍ ساخنٍ ... وعكيك القيظ إنْ جاء بَقُرّ

قلت: ومن هذا؟ قال: ابن الثماني عشرة طرفة بن العبد. قلت: ثمّ من؟ قال: الذي يقول " من المتقارب ":

وتبردُ بَرْدَ رداءٍ العرو ... س في الصيف رقرقت فيه العبيرا

وتسخنُ ليلةَ لا يستطيع ... نباحاً بها الكلبُ إلا هَريرا

قلتُ: من يقول هذا؟ قال: أعشى بن قيس بن ثعلبة. ثمّ ذهب به ظليمه.

وسئل حمَّاد عن الدنقعي الشاعر وكان يزعم أنه من بني عجل، فقال حمّاد: أنا أضرب لكم مثله: رأى كرْكي مرّةً عقاباً قد أنحط على حمل فأخذه بمخاليبه فمرّ به، فقال الكركيُّ: أنا أعظمُ من هذا وأطول عُنقاً ورجلين، فما يمنعني من الصيد؟! فعلا وانقضّ على حمل فنشب في صوفه فلم يتحرَّك، ورآه الراعي فأخذه وجعله في كسائه وانصرف. فقالوا له: مامعك؟ قال: معي أنا أقول أنه كُركيُّ وهو يقول إنه عقابٌ. ولكن أقول أنّ الدنقعيّ زنجي وهو يزعم أنه عجليٌّ.

وقال عبد الله بن جعفر: كان حمّاد يتَّهم في دينه وكان يعاقر الخمر ويستخف بالصلاة، فهجاه بعض الشعراء فقال " من الكامل ":

نِعْم الفتى لو كان يعرف رَبَّه ... ويُقيمُ وقتَ صلاته حمّادُ

طمستْ محاسنه الشُمول فأنْفهُ ... مِثلُ القَدُوم يَسُنُّها الحدّادُ

وابيضَّ من شرب المدامة وجهه ... فبياضه يوم الحساب سوادُ

لايعجبنك جسمه ورواؤُه ... إنَّ المجوس تُرى لها أجسادُ

حمّادُ يا ضبعاً تُجُرُّ جراءها ... أجنى لها بالقريتين بلادُ

وقيل إنها من قصيدة لأبي الغُول النهشلي في حماد الزبرقان.

وقال: كانت العرب تقول: يعجبنا أربعة من أربعة: سُرعة بكور الغُراب، وسرعةُ إيابه قبل الليل، والكلبُ تنفع المعرفة عنده، والخنزير إذا احتفر لم يدعه حتى يأتي على أصله، والسَّنور يواظب على الشيء فلا يبرح حتى يأخذه، فمن طلب فليطلب طلب السنَّور.

٧١ - ومن أخبار جَنّاد بن واصل

كنيته أبو محمد أسديُّ من القدماء في قياس حمادٍ الراوية.

[٧٢ - ومن اخبار ابن الجصاص]

هو أبو يعقوب إسحاق بن عمار الجصاص من موالي اليمن، مات في آخر أيام أبي جعفر المنصور.

٧٣ - ومن أخبار المفُضَّل الضَبيّ

هو أبو العباس - وقيل: أبو عبد الرحمان - المفضَّل بن محمد بن يعلى بن عامر بن سالم بن أبي الريان من ثعلبة بن السيد بن ضبة.

<<  <   >  >>