وذكر قول الحسن: أن امرأ لا يعد بينه وبين ادم أبا حيا لمعرق في الموت. فذا قول اخذا من قول لبيد:
فأنت لم ينفعك علمك فأنتسب ... لعلك تسليك القرون الاوائل
فأن لم تجد من دون عدنان والداً ... ودون معد فلتزعك العواذل
وكلام الحسن أخصر وكلام لبيد اوزان، واول هذا قول أمرئ القيس:
فكفى اللوم عاذلتي فإني ... ستكفيني التجارب وانتسابي
إلى عرق الثرى وشجت عرقوي ... وهذا الموت يسلبني شبابي
" عرق الثرى " ادم عليه السلام، وقوله " ستكفيني.. انتسابي " أي انتسب فأجد آبائي واجدادي موتى، فأعلم اني ميت لا محالة، فهذا كلام عربي محض. وقال لبيد بن ربيعة:
كانت قناني لا تلين لغامز ... فألانها الاصباح والامساء
ودعوت ربي بالسلامة جاهداً ... ليصحني فإذا السلامة داء
يقول: تقربني من اجلي. ومثله للنمر بن تولب:
يسر الفتى طول السلامة والغنى ... فكيف ترى طول السلامة تفعل
ترد الفتى بعد اعتدال وصحة ... ينوء إذا رام القيام ويحمل
وقوله عليه السلام: كفى بالسلامة داء. وقال جرير.
حملت عليك حماة قيس خيلها ... شعثاً عوابس تحمل الابطالا
ما زلت تحسب كل شئ بعدهم ... حيلا تكر عليكم ورجالا
اخذه من قوه تعالى (يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فأحذروهم) . وقالت الخنساء:
ولولا كثرة الباكين حولي ... على اخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل اخي ولكن ... اعزي النفس عنه بالتآسي
قال تعالى (ولن ينفعك اليوم اذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون) أي ما نزل بكم أجل من أن يقع معه التآسي ونظر بعضهم إلى بعض.
مات المبرد والبحتري بمنبج في سنة اربع وقيل خمس، وقيل: ست وثمانين ومائتين، ودفن في مقابر باب الكوفة في دار اشتريت له، وله تسع وسبعون سنة. ورثاه محمد بن علي بن يسار العلاق الضرير:
ذهب المبرد وانقضت ايامه ... وليمصين مع المبرد ثعلب
بيت من الاداب اصبح نصفه ... خرباً وباقي نصفه فسيخرب
فتزودوا من ثعلب فبكأس ما ... شرب المبرد عن قليل يشرب
واستجلبوا الفاظه وكأنكم ... بسريره وعليه جمع مجلب
ورأى لكم أن تكتبوا أنفاسه ... إن كانت الانفاس مما تكتب
فليحلقن بمن مضى متخلف ... من بعده وليذهبن ويذهب
[١٠٨ - ومن اخبار ثعلب]
قي الصولي: ولد ابو العباس احمد بن يحيى الشيباني الملقب بثعلب واسماعيل ابن اسحاق القاضي وابو مسلم الكجي والمغيرة بن محمد المهلبي وميمون بن هارون الكاتب وعلي بن يحيى المنجم في سنة مائتين.
ذكر ابو الفرج محمد بن اسحاق الوراق المعروف بأبن ابي يعقوب النديم البغدادي صاحب كتاب الفهرست له في ترجمة ثعلب قال: نقلت من خط أبي عبد الله بن مقلة: قال ابو العباس احمد بن يحيى: رأيت المأمون لما قدم من خراسان، وذلك في سنة اربع ومئتين، وقد خرج من باب الحديد وهو يريد قصر الرصافة والناس صفان الى المصلى، قال: وكان ابي حملني على يده، فلما مر المأمون رفعني على يده وقال لي: هذا المامون وهذه سنة اربع! فحفظت ذلك عنه إلى الساعة، وكانت سني يومئذ اربع سنين.
وكان ثعلب والمبرد علمتين ختم تأريخ الادباء بهما. وكانا كما قال عبد الله بن الحسين بن سعد القطربلي صاحب التأريخ:
ايا طالب النحو لا تجهلن ... وعذ بالمبرد او ثعلب
تجد عند هذين علم الورى ... فلا تك كالجمل الاجرب
علوم الخلائق مقرونة ... بهذين في الشرق والمغرب
وكان ثعلب يؤدب اولاد محمد بن عبد الله بن طاهر. وقال: سألني ابن الاعرابي: كم لك من الولد؟ فقلت: ابنه. وانشدته:
لولا اميمة لم اجزع من العدم ... ولم اجب في الليالي حندس الظلم
تهوى حياتي واهوى موتها شفقاً ... والموت اكرم نزال على الحرم
فأنشد ابن الاعرابي:
عميمة تهوى عمر شيخ يسره ... لها الموت قبل الليل لو انها تدري