أخذ هذا المعنى من كلام عبد الله بن العباَّس وقد دُلي زيد بن ثابتٍ في قبره، قال: من سرَّه أن يرى كيف ذهاب العلم فكذا ذهابه. وقيل: إنه في 'سماعيل بن زيد بن حماد.
وقال: كانت العرب تُسمي ليالي الشهر عشرة أسماء، لكلّ ثلاثٍ منها اسمٌ، فالثلاثُ الأولُ الغُرر وذلك أن أول كلّ شيءٍ غُرته، ثمّ النفلُ ومعنى النُفل أنّ العرب كانت تصوم الغرر كأنها وظيفة عليها والنفل شبه النافلة، ثمّ الدرع ومعنى الدرع أنّ الأرض قد لبسها القَمَرُ، ثمّ العُشر لقولك عشرة إحدى عشرة اثنتي عشرة، ثمّ البيض فإنها من أول الليل إلى آخره قَمَرٌ، ثمّ الظُلّم، ثمّ الحندس أشدُ ظلمةً من الظُلم، والدآدي والمُحاق، فادآدئ كأنه وقع في القمر الداءُ فهو يذهب، والمُحاق آخر الشهر إذا وقع فيه المحاق، والعاشرة - أي تمام الثلاثين - الفلتة ومعناها أن ليس كلُّ شهر يتمُّ فإذا أتمّ سمَّوه الفلتة.
وقال محمّد بن كناسة " من الطويل ":
تعلمْ فليس المرءُ يُخلقُ عالماً ... وليس أخو علمٍ كمن هو جاهلُ
وإنّ كبير القوم لاعلمَ عنده ... صغيرٌ إذا ألتفَّتْ عليه المحافلُ
وقال رحمه الله تعالى " من الطويل ":
وما أنا فيما أُخرجتُ داخلٌ ... ولا أنا عمَّا حيزَ دوني بسائلِ
إذا المرءُ يوماً أغلق الباب مُرتجاً ... ليستر أمراً كنتُ كالمتغافلِ
وأُعرضُ حتى يحسبَ المرءُ أننيّ ... جهلتُ الذي يأتي ولستُ بجاهلِ
وإني لأغضي عن أمورٍ كثيرةٍ ... وفي دونها قطعُ الحبيبِ المواصلِ
حفاظاً وضناً بالإخاء وعقدةً ... إذا ضيَّع الإخوان عقد الحبائلِ
وقال " من الكامل ":
أسدٌ على أعدائه ... ما إن يلينُ ولايهونُ
فإذا تمكنَّ منهمُ ... فهناكَ أحلمُ ما يكون
وقال: العسبار ولدُ الضبع من الذئب والسمع ولدُ الذئب من الضبع. - ومن بارع شعره " من الطويل ":
على حين أن شابت لداتي ولم أشبْ ... فمنها لحىً مبيضةٌ وقرونُ
وناصيتُ رأس الأربعين فأقبلت ... قساوةُ جِنيِّ الشبابِ تلينُ
إذا ما أراد الله أمراً فإنما ... يقول له: كُن! قولةً فيكونُ
ويعني الفتى بالأمر ما لم يكن ... من الله في الدنيا عليه مُعينُ
وقال " من الرمل ":
حسدوا النعمةَ لمَّا ظهرتْ ... فرموها بأباطيلِ الكَلِمْ
وإذا ما اللهُ أسدى نعمةً ... لم يضرْها قولُ حُسَّاد النعمْ
وقال " من الوافر ":
ومن قرأ الكتاب فأدبته ... من الفرقان آي محكماتُ
وجالس عليه العلماء حتى ... وعى ماثور قولهم فماتوا
وطالبَ سائر الآداب حتى ... تقصر عن مبالغة الصفاتِ
روى فوعى وقال فساعدته ... ينابيعُ الكلامِ المعجباتُ
فإن يك بعدُ مثقياً تكاملْ ... له المتخيَّرات الصالحات
وإلا فهو مأفونٌ شقيٌّ ... بما سعدت به قبل النجاةُ
وقال ابن عبَّاس في قوله: (وإذ ابْتلَى إبراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فأتمَّهُنَّ) ، قال: خمسٌ في الرأس وخمس في الجسد، فأما اللواتي في الرأس فالمضمضمة والاستنشاق وقصُّ الشارب والفرْق والسواك، وأما اللواتي في الجسد فالختان والاستنجاء والاستحداد ونتف الإبط وقص الاظافر.
توفيّ ابن كناسة رحمه الله في شوال من سنة سبع ومائتين وهو ابن أربع وثمانين سنة.
٨٦ - ومن أخبار الأحْمر غُلام الكسائي
هو أبو الحسن عليّ بن المبارك، كان مؤدب محمّد بن زبيدة بعد الكسائي لأن الكسائي كان قد أصابه وضحٌ، فقالت له أمّ جعفر: أجلس بعض أصحابك مع ابني للعلَّة التي كانت به لئلا يُعديه! فأجلس معه الأحمر. - وقال: جَمْعُ المقصور ممدوداٌ أبداً، مثلُ (والملكُ عَلَى أرجائها) ، فالواحد منه رجاً، وهي الناحية.
توفي الأحمر سنة أربع وتسعين ومائة.
٨٧ - ومن أخبار أبي زكرياء الفرّاء
واسمه يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي مولى بني عبس، وكان يميل إلى الاعتزال. وقال الفراء: أموتُ وفي نفسي من " حتى " شيءٌ لأنها تخفض وترفع وتنصب.