وفي فمي صارمٌ ما سلَّه أحدٌ ... من غمدهِ فدرى مالعيشُ والجذلُ
عُقْباكَ شُكرٌ طويلٌ لا نفاد له ... تبقى معالمه ما أطَّتِ الإبلُ
١١٥ - ومن أخبار أبي الحسن عليّ بن سليمان بن الفضْل الأخْفش
قال المرزبانيّ: لم يكن متسعاً في الرواية للأخبار والعلم. شهدتهُ يوماً وصار إليه رجلٌ من حُلْوان، فحين رآه قال " من الكامل ":
حَيَّاك ربُّك أُيها الحُلواني ... وكفاك ما يأتي من الأزمانِ
ثمّ التفت إلينا وقال: ما نحسنُ من الشعر إلا هذا وما جرى مجراه. - وقال: أنشدنا المُبّرد " من الكامل ":
لا تَكْرهَنْ لَقباً شُهرتَ بهِ ... فلرُبَّ محظوظٍ من اللقبِ
قد كان لُقبَ مرَّةً رَجُلٌ ... بالوائليّش فجازَ في العَرَبِ
وقال ابن الروميّ فيه " من المنسرح ":
قُولا لنحويّنا أبي حسنٍ ... إنّ حُسامي متى ضربتُ مضى
وإنّ نبلي متى هممتُ بأنْ ... أرميَ بسلّتها بجمرِ غضا
لا تحسبَنَّ الهجاء يحفلُ بالرّفع ولا خفضِ خافضٍ خفضا
ومدحه أيضاً. - ومات الأخفش سنة خمس عشرة وثلاثمائة.
١١٦ - ومن أخبار أبي إسحاق إبراهيم بن السّريّ الزَجّاج
هو أقدم أصحاب المبّرد، وقد صنف " معاني القرآن " و " الاشتقاقط و " العروض " وكتباً في النحو واللغة.
١١٧ - ومن أخبار أبي بكر محمّد بن السَريّ السَرّاج
من أحدث غلمان المبّرد سِنَّاً مع ذكاء فطنة، وكان يميل إليه المبّرد ويقربه.
١١٨ - ومن أخبار أبي بكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزْديّ
ولُد بالبصرة وتأدب بها، وعلم اللغة والأشعار والأنساب، وقرأ على علماء البصرة. وهو محمّد بن الحسن بن دريد بن عتاهية بن حَنْتم بن حسن بن حماميّ - وهو منسوب إلى قرية من نواحي عمان يقال لها حمامي - بن جروْ بن واسع بن وهب بن سلَمة بن جُشم بن حاضر بن جشم بن ظالم بن حاضر ابن أسد بن عدي بن عمرو بن مالك بن فهم بن غانم بن دوس بن عُدثان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. روى عن أبي حاتم.
وقال ابن ديد: خرجتُ أريد زهران بعد دخول البصرة، فمررت بدارٍ قد خربت، وكتبت على حائطها " من الرمل ":
أصبحوا بعد جميعِ فرقاً ... وكذا كُلُّ جميعٍ مُفترقْ
ومضيتُ، فلمَّا رجعتُ فإذا تحته مكتوبٌ " من الرمل ":س
ضحكوا والدهرُ عنهمُ صامتٌ ... ثمّ أبكاهم دماً حين نطقْ
قال ابن دريد: سقطتُ من منزلي بفارسٍ، فانكسرت توقوتي وسهرت ليلتي، فلمّا كان في آخر الليل حملتني عيناي، فرأيت في نومي رجلاً ظريفاً أصفر الوجه كوسجاً دخل عليَّ فقال: أنشدني أحسن ماقلت في الخمر! فقلت: ماترك أبو نواس لأحدٍ شيئاً! فقال: أنا أشعر منه! قلتُ: ومن أنت؟ قال: أبو زاجية الشامي. وأنشدني " من الطويل ":
وحمراءَ قَبْلَ المَزْج صفراءَ بعده ... بدت بين ثَوبي نرجسٍ وشقائقِ
حكت وجنةَ المعشوقِ صرفاً فسلَّطوا ... عليها مزاجاً فاكتست لونْ عاشقٍ
قال أبو بكر: قلتُ له: أسأت! قال: ولمّ؟ قلتُ: لأنك قلت " حمراء " فقدمت الحُمرة، ثمّ قلت " بدت بين ثَوْبي نرجسٍ وشقائقِ " فقدمتَ الصُفرة، فألاّ قدمتها على الأخرى كما قدَّمتها على الأولى؟! فقال: وما هذا الاستقصاء في مثل هذا الوقت، يابغيضُ؟! - وقال ابن دريد " من البسيط ":
عانقتُ منه وقد مال النُعاسُ به ... والكأسُ تقسمُ سُكراً بين جُلاَّسي
ريحانةً ضمخت بالمسك ناضرةً ... تَمُجُّ بَرْد الندى في حرِّ أنفاسي
وقال يرثي عبد الله بن عمارة " من الطويل ":
بنفسي ثرى ضاجعت في ثنبه البلى ... لقد ضمَّ منك الغيثَ والليثَ والبَدْرا
فلو أنّ حَيَّا كان قبراً لميّتٍ ... لصيَّرت أحشائي لأعظمه قبرا
وما خلت قبراً وهو أربعُ أذْرُعٍ ... يَضُمُّ ثقال المُزن والطود وتلبحرا
وقال من قصيدة انتظم في بيتٍ اسم رجلٍ ونسبه " من الطويل ":