ومن مولى بني مخزوم، كثير السماع من العرب كثير الرواية عالماً بالنحو، أخذ عن أبن أبي إسحاق. وقال القحذمي: عيسى بن عمر مولى لخالد بن الوليد.
وأنكر وديعة فأتي به يوسف بن عمر، فأمر بضربه، فاعترف وقال: أيها الأمير، إنما كانت أثياباً في أسيفاط قبضها عشاروك! فوكل به حتى أخذها منه.
تؤفي عيسى بن عمر رحمه الله سنة تسع وأربعين، وقيل: خمسين ومائة.
وسئل الأصمعي عن معنى قول ذي الرمة " من الطويل ":
يقاربن حتى يطمع اليافع الصبي ... وتشرع أحشاء القلوب الحوائم
حديث كطعم الشهد حلو صدوره ... وأعجازه الخطبان دون المحارم
فقال: سألت عيسى بن عمر عن ذلك، فقال: هنّ لعفتهن شهد إذا أمن الحرام، وخطبان إذا خشينه، والخطبان خضر الحنظل. فعرضت هذا على خلف، فقال: أراد أن صدور حديثه حلوة لشغف اللقاء والتلسيم، وأعجازه مرة لحين الفراق والتوديع، وما في الحالتين تعرض لمحرم. قال الصولي: فأخذه أبو العميثل فقال " من الطويل ":
أتيت ابنة السهمي زينب عن عفر ... ونحن حرام مسي عاشرة العشر
فكلمتها ثنتين كالثلج منهما ... وأخرى على لوح أحر من الجمر
فسئل ثعلب وأنا حاضر عن معنى هذين البيتين، فقال: الأولى الباردة كلام السلام، والأخرى الحارة كلام الوداع، فظننت أن أبا العميثل لم يسبق إلى هذا المعنى، ولاسبق ثعلب إلى تفسيره حتى سمعت خبر الأصمعي.
[١٣ - ومن أخبار أبي الخطاب الأخفش]
اسمه عبد الحميد مولى بني قيس بن ثعلبة، وهو من أصحاب عبد الله بن أبي إسحاق هو ويونس وعيسى، وهو أعلم الناس. وقيل: كان هو وخلف الأحمر يأخذان عن أبي عمرو بن العلاء. وكان يعرف بالأخفش الكبير، وكان لايدع الإعراب. فدخل عليه لصوص فضربوه بالسيوف، فجعل يقول: قد كم الآن قد كم الآن.
[١٤ - ومن أخبار حماد بن سلمة]
هو أبو سلمة بن أبي صخرة بن دينار مولى بني تميم، وقيل: مولى جعدة ابن هبيرة، وهو ابن أخت حميد الطويل، وكان فقيهاً حافظاً فاضلاً عالماً بالقرآن كثير الحديث إلا أنه ربما حدث بالمناكير، وكان شاعراً مجيداً.
قال الأصمعي: وصفني شعبة لحماد بن سلمة فقال: جئني به! فذهبت معه إليه، فقال لي: كيف تنشد بيت الحطيئة " من الطويل ":
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا
ماذا؟ قلت: إلينا. فلوى حماد شفتيه، فقلت له: فكيف تنشد أنت؟ فقال:
أولئك قوم إن بنوا أحسنوا إلبنا ... وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا
قال الأصمعي: فما رأيت حمادا بعد ذلك إلا هبته! قال يحيى بن معين: حدثنا شيخ قال: كنت عند حماد بن سلمة، فجاءه كتاب أبي حرة يعاتبه في هذه الأحاديث التي حدث بها حماد - يعني في الرؤية - ويأمره بالرجوع عنها. فقال حماد: لاأفعل، سمعتها من قوم ثقات فأنا أحدث بها كما سمعت! - قال يحيى: وكان حماد من خيار المسلمين وأهل السنة، وهو ثقة مأمون عندنا، والأحاديث التي حدث بها في الرؤية نؤمن بها، ومن كذب بها كان عندنا مبتدعا، ولانفسرها نحن برأينا.
مات حماد رحمه الله يوم الثلاثاء في ذي الحجة سنة سبع وستين ومائة، وصلى عليه إسحاق بن محمد. - قال بعضهم: رأيت حماد بن سلمة في النوم، فقلت: مافعل الله بك؟ قال: غفر لي ورحمني وأسكنني الفردوس. قلت: بماذا؟ قال: بقولي: ياذا الطول والإكرام، ياكهيعص، لأسكني الفردوس! فأسكنني الفردوس.
[١٥ - ومن أخبار يونس بن حبيب النحوي]
هو أبو عبد الرحمان مولى بني ضبة، وقيل: مولى بني ليث بن بكر بن عبد مناة من كنانة، وقيل: مولى بلال بن هرمي من بني ضبيعة بن بجالة، قيل: إنه من أهل جبل. ولد يونس سنة تسعين، ومات سنة أثنتين وثمانين ومائة وهو ابن اثنتين وتسعين سنة، وقيل: مات وله مائة وسنتان. ومات هو وابو يوسف القاضي وعلي بن يقطين ومروان بن أبي حفصة الشاعر في يوم واحد.