وتوفيّ الفرّاء رحمه الله سنة سبع ومائتين وله سبع وستين سنة.
٨٨ - ومن أخبار هشام النحويّ
هو هشام بن معاوية الضرير النحويّ الكوفيّ، كان يؤدب ولد فرج الرخجيّ. مات رحمه الله سنة تسع ومائتين.
٨٩ - ومن أخبار ابن الأعرابيّ
هو أبو عبد الله محمّد بن زياد الأعرابيّ، وكان زيادٌ أبوه عبداً سندياً مملوكاً لسليمان بن مجالد، وكان سليمان من أهل بلخ، وقيل: مولى العبَّاس بن محمد. وكان أحول أعرج، وكان مؤدباً ناسباً عالماً بالشعر واللغة نحويَّاً كثير السماع من المفضّل راوية لشعر القبائل. وكان المفضل الضبيَّ زوج أمّ ابن الأعرابيّ.
قال ابن الأعرابيّ: ولدتُ ليلةُ توفي أبو حنيفة لإحدى عشرة ليلةً خلت من جمادى الأولى سنة خمسين ومائة. ومات لأربع عشرة ليلة خلت من شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وكان عمره إحدى وثمانين سنةً وثلاثة أشهر وثلاثة أيام.
وغُنّي الأخطل في مجلس الواثق " من البسيط ":
وشاربٍ مُربْحٍ بالكأسِ نادمني ... لا بالحصور ولا فيها بسَّوارِ
فقيل: سأ ار. فوجه إلى الأعرابي، فقالك بسَّوار! يريد: بوثاب يثبُ على ندمائه، وسأ ارٌ أي لايفضل في القدح سُؤراً، وقد رويا جميعاً. فأمر له بعشرة آلاف درهم.
وقال: أمَّا أشعار هؤلاء المحدثين - مثل أبي نواس وغيره - بمنزلةِ الريحان يُشم يوماً ويذوي فيرى على المزبلة، وأشعار القدماء مثلُ المسك والعبير كلما حركته ازداد طيباً. س وقال: بيتُ عبدةَ بن الطبيب ما له ثانٍ في جاهلية ولا إسلام، قائمٌ بنفسه، وهو " من الطويل ":
فما كان قيسٌ هُلْكهُ هُلْك واحدٍ ... ولكنه بنيان قومٍ تهدَّما
وقال: أحسنُ ما قيل في صفة المشي قولُ ابن مُقبل " من الطويل ":
مَشَيْنَ كما اهتزَّتْ غصونٌ تسفهَّت ... أعاليها مَرُّ الرياحِ النواسيمِ
قال: وأحسن ما وصفت به الرماح " من الكامل ":
وبكلَّ عرّاص المهزَّةِ مارنٍ ... فيه سنانٌ مثلُ ضوء الفرقدِ
سُمْرُ موران من رماح درينةٍ ... زرقُ الظباتِ يقين سُمَّ الأسودِ
قال: وأهجأ بيت قالته العرب " من الطويل ":
وقد علمتْ عرساك أنك آئبٌ ... تُخبرهم عن جيشهم كُلَّ مربعِ
أخبر أنّ من عاداته أن ينهزم فيتحدَّث بخبر جيشه. - وقال: أشعرُ ما قيل في شدة الحر قولُ القُطامي " من البسيط ":
فهُنَّ مُعترضاتٌ والحصى رمضٌ ... والريحُ ساكنةٌ والظلُ معتدلُ
حتى وَردْنَ ركيَّاِ الغويرِ وقد ... كاد المُلاء من الكتان يشتعلُ
وبيتُ جرير بن الخطفى " من الطويل ":
أنِخْنَ لتغويرٍ وقدْ وقَدَ الحصى ... وذابَ لُعابُ الشمس فوق الجماجمِ
وقال أبو عمرو بن العلاء: أحسن الهجاء ما تنشده العذراء في خدرها لايقبح، مثلُ قول بن حجر " من الطويل ":
إذا ناقةٌ شُدَّتْ برحلٍ وتمرقٍ ... إلى حَكم يُعدي فضَلَّ ضلالها
كأني حلوت الشعر حين مدحته ... صفا صخرةٍ صمَّاء صلدٍ بلالها
قال ابن ألعرابيّ: يعجبني من الهجاء قولُ جرير " من الكامل ":
وَلَوَ أنَّ تغلب جمعَّتْ أحسابها ... يومَ التفاضلِ لم تزنْ مثقالا
عرض رجلٌ على ابن ألعرابي قول جرير " من الكامل ":
إنّ الذين غدوا بلبلك غادروا ... وشلا بعينك ما يزالُ معينا
غيَّضْن من عبراتهنَّ وقلنَّ لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا
ولقد تسقطني الوشاةُ فصادفوا ... حصراً بسرك ياأمامَ ضنينا
فقال ابن الأعرابيّ: هذا نسيبٌ يستحقُّ أن تشقَّ له الجُيوبُ. - قال: وهذا من طُرز الشعر، وأنشد " من الطويل ":
أُحِبُّكمُ، ياميَّ، حُبَّين منهما ... قديمٌ وحُبذُ حين شبَّتْ شبائبُه
إذا اجتمعا قال القديمُ: غلبته ... وقال الذي من بعده: أنا غالبهْ
فإن أستطعْ أغلبْ وإن يغلبِ الهوى ... فمثلُ الذي لاقيتُ يُغلبُ صاحبهْ
قال: وكان يتعجب من قول بَشَّار في الليل " من الطويل ":
خَليليَّ ما بالُ الدُجى لاتزحزحُ ... وما بالُ ضوءِ الصُبح لا يتوضَّحُ