هو أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب مولى لأبي القَلَمَّس عمرو بن قلع الكناني ثمّ الفقمي وهو أحد النسأة. قال: وجدَّ الجاحظ أسود، يقال له فزارة، كان جمَّالاً لعمرو بن قلع. وهو خال أمّ يموت. - قال المازني: أخبرني من رأى الجاحظ: يبيع الخبز والسمك بسيحان.
صار الجاحظ إلى منزل بعض إخوانه، فأستأذن عليه، فقال ربُّ الدار لغلامه: انظر من بالباب! قال: يقول: عمرو بن بحر الحدقي. قال ربُّ الدار: لستُ أعرفه، انظر من هو! فقال الغلام: يقول: أنا عمرو بن بحر الحلقي. فسمع الجاحظ فقال: أنا الجاحظ. فقال الغلام: يقول: عمرو بن بحر الجاحد. فصاح ثانياً: الأوّ الأوّ أحبُّ إليَّ! قال الجاحظ: لاأعرف من كلام الشعراء كلاماً هو أرفع ولا أحسن من قول أبي نواس " من السريع ":
أيّةَ نارٍ قَدَح القادحُ ... وأي جدٍ بلغَ المازحُ
للهٍ درُّ الشيبِ من واعظٍ ... وناصحٍ لو قُبِلَ الناصحُ
يأبى الفتى إلا اتباع الهوى ... ومنهجُ الحقُ له واضحُ
لايجتلي العذراءُ في خدرها ... إلا امرءٌ ميزانه راجحُ
فاسمُ بعينيك إلى نسوةٍ ... مهمورهن العمل الصالح
من اتقى فذاك الذي ... سيق إليه المتجرُ الرابح
فاغدُ فما في الدين أغلوطةٌ ... ورُحْ لما أنت له رائحُ
مات الجاحظ سنة خمسٍ وخمسين ومائتين وقد ناطح المائة.
٥٩ - ومن أخبار عُمر بن شَبَّة
هو أبو زيد عمر بن شبَّة بن عبيدة بن ريطة، وشبةُ اسمه زيدٌ وكنيته أبو معاذ وسُميَّ شبَّة لأن أمه كانت ترقصه وتقول: يا بأبي وشبا، وعاش حتى دبَّا، شيخاً كبيراً خبَّا.
وقال عمر بن شبَّة في موسى بن يحيى بن خالد من قصيدة " من الوافر ":
أتيتك زائراً لقضاءِ حقٍ ... فحال السترُ دونك والحجابُ
وعندك عُصبةٌ فيهم أخٌ لي ... كأن إخاءه الآلُ السرابُ
ولستُ بواقعٍ في قدرِ قومٍ ... إذا كرهوا كما وقع الذبابُ
وقال أبو جعفر محمد بن القاسم بن مهرويه قال: خرجت أنا وأبو طاهر ابن عمر بن شبَّة في يوم عيدٍ ونحن ننظر في دفتر والناس يمرون بنا، فقال أبو طاهر " من المتقارب ":
نظرتُ فلم أرَ في العسكر ... كشؤمي وشؤمِ أبي جعفرِ
غدا الناسُ للعيدِ في زينةٍ ... من النور في منظر أزهر
فنقعدُ للشؤم في عزلةٍ ... من الناس ننظرُ في دفترِ
مات عمر بن شبة سنة ثلاث وستين ومائتين وقد بلغ تسعين.
آخر أخبار البصريين وماانتخب منها، يليها ابتداء أمر الكوفة وأخبار أهلها إن شاء الله تعالى
[في ابتداء أمر الكوفة ونزول المسلمين فيها]
لما نزل سعد بن أبي وقاص المدائن حين أخرج كسرى عنها استوبأها، فكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك، فكتب إليه عمر: إنّ المسلمين لايصلحون إلا ببلدٍ فيه الإبل. فدعا سعدٌ دهقان الحيرة فسأله، فدله على الكوفة، واتخذوا فيها الأبنية بالقصب، فشكوا إليه الحرَّ واستأذنوه في اللبن، فأذن على كرهٍ. - وقيل: إنّ سعداً بعث سلمان الفارسي مع العبادي ليرتادا موضعا، فأتى به أخصاصاً في موضع الكوفة، فأعجب به سلمان، فصلى فيه ركعتين وقال: اللهمَّ ربَّ السموات السبع وما أظللن، وربَّ الأرضين السبع وما أقللن، أنزلنا منزلاً مباركاً وأنت خيرَ المنزلين. ثم أنصرف إلى سعد فأعلمه، فرحل بالمسلمين فنزلوا على أربع غلوات من الفرات. - كان السائب بن الأقرع وأبو المهاجر الأسدي هما اختطا دار الإمارة بالكوفة والمسجد الجامع، ورميا بأربعة سهام في زواياه، وأمر المسلمين فأختطوا من وراء السهام. - ونزلوها سنة ثمان عشرة لست سنين خلت من خلافة عمر رضي الله عنه. - وسئل الشعبي عن مساحة مسجد الكوفة فقال: تسعة أجربةٍ وستة أقفزة فيما أظنُّ.