للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: حياك الله! ثم قال: يا فلانة اطعمت ضيفك شيئاً؟ قالت: نعم. فدخل الخباء فملأ قعباً من لبن، ثم اتاني به وقال: اشرب! فشربت شرباًهنيئاً، فقال: ما اراك اكلت شيئاً وما اراها اطعمتك. فقلت لا والله. فدخل اليها مغضباً فقال: ويلك أكلت وتركت ضيفك! فقالت: وما اصنعبه، اطعمه طعامي؟! وجاراها في الكلام حتى شجها، ثم اخذ شفؤة وخرج الى ناقتي فنحرها، فقلت: وما صنعت؟ عافاك الله! قال: والله لا يبيت ضيفي جائعا. ثم جمع حطباً وأجج نارا واقبل يكبب ويطعمني ويأكل ويلقي إليها ويقول: كلي لا اطعمك الله حتى اصبح. ذهب وتركني، فقعدت مغموماً، فلما تعالى النهار أقبل ومعه بعير ما يسأم الناظر إن ينظر اليه، فقال لي: هذا مكان ناقتك! ثم زودني من ذلك اللحم ومما حضره، وخرجت من عنده. فضمني الليل الى خباء، فسلمت، فردت صاحبة الخباء. وقالت: من الرجل: فقلت: ضيف. فقالت: مرحباً بك، حياك الله، انزل، عافاك الله! فنزلت، فعمدت الى بر فطحنته ثم اعتجنت ثم خبزت خبزة روتها بالزبد واللن، ثم وضعتها بين يدي وقالت: كل واعذر! فلم البث ان اقبل اعرابي كريه الوجه فسلم، فرددت. فقال: من الرجل؟ فقلت: ضيف. فقال: ما يصنع الضيف عندنا؟ ثم دخل الى اهله فقال: اين طعامي.؟!. فقالت اطعمته الضيف. فقال: اتطعمين طعامي الضياف؟! فتجاريا الكلام، فرفع عصاه فضرب بها رأسها فشجها. قال: فجعلت اضحك، فقال: ما يضحكك؟ فقلت: خبر. فقال: شد لتخبرني! فأخبرته بقصة المرأة والرجل اللذين نزلت عليهما قبله، فأقبل علي وقال: إن التي عندي والله اخت ذلك الرجل، وتلك التي عنده اختي، فبت متعجباً، ثمانصرفت.

دخل مروان بن ابي حفصة على ابي يوسف القاضي وعنده الهيثم بن عدي وعاصم الغساني، فسأل حاجة، فلم يقضها له، فخرج وهو يقول: " من الرجز ":

هذا لعمري مجلسٌ دنيءُّ ... ثلاثةٌ كُلُهمُ دعيُّ

فبلغ ذلك الهيثم فقال " من الرجز ":

مروانُ عِلجٌ ليس بالقويِّ ... ولا بمرضيٍ ولا زكيِّ

وقال أبو الهول الحميري فيه، وقيل: لبي نواس " من البسيط ":

الحمدُ للهِ هذا أعجبُ العجبِ ... الهيثمُ بن عديِ بُحترٌ عربي

إن كان من طلب الأنسابَ من كُتُبٍ ... حتى تُحوله نبعاً عن الغربِ

فهؤلاءِ الكيميائيون ما لهم ... ممَّا يقلاقون طول الدهرِ في تعبِ

هيهات هيهات قد طال العناءُ بهم ... لم يخلقوا ذهباً إلا من الذهب

والهيثم بن عُديِ من تنقلَهِ ... في كل يوم له رَحْلٌ على قتب

فما يزال أخا حلٍ ومرتحلٍ ... إلى الموالي وأحياناً إلى العرب

منها:

للهِ أنت فما قُربى تَهُمُّ بها ... إلا اجليت لها الأنسابَ من كثبِ

وحضر أبو نواس مجلسه، فقصر في حقه لم يحتشمه، فقال " من الوافر ":

أتيتُ الهيثمّ بن عديِّ أرجو العلومَ وكنتُ أمحضهُ الصفاء

فأعرض هيثمٌ لمَّا رآني ... كأني قد هجوت الأدعياءَ

وقال الهيثم: لمَّا ولي عبد الله بن شبرمة القضاء ركب لحاجة، فلمَّا أراد النزول عن البغلة وثبت فرمت به، فدخلنا عليه نعوده، وجاء رجلٌ يُكنى أبا المثنى سليطيٌّ، فلمَّا رآه ابن شبرمة قال: مرحباً ارتفع! فرفعه معه على السرير، فأنشأ أبو المثنى يقول " من المتقارب ":

أقولُ غداة أتاني الخبرث ... فدسَّ أحاديثه هيثمهُ

لك الويلُ من مخبرِ ماتقول ... أبن لي وعدٍ عن الجمجمه

فقال: خرجت وقاضي القضا ... ة منفكةٌ رجله مؤلمهُ

فغزوان حُرّق وأُمُّ الوليدِ ... إن اللهُ عافى أبا شُبرمَهْ

جزاء لمعروفه عندنا ... وما عتقُ عبدٍ له أو أَمَهْ

<<  <   >  >>