قال: فسكت الحسن. ثم لم يلبث أن جاء رجل فقال: إنما نكون في هذه المغازي فنصيب المرأة ذات الزوج، أفيحل غشيانها ولم يطلقها زوجها؟ فقال: الفرزدق: نعم! أوما سمعت ماقلت؟ قال الحسن: وما قلت؟ قال: قلت " من الطويل ":
وذات حليل أنكحتنا رماحنا ... حلالا لمن يبني بها لم تطلق
قال: فسكت الحسن.
قال: قال لي ابن سيرين: أيُّ بيت قالت العرب أنسب؟ فقلت: لاأدري. فقال: قول يزيد بن معاوية " من الطويل ":
إذا سرت ميلاً أو تغيبت ساعة ... دعتني دواعي الحب من آل خالد
قال: فذكرت ذلك لمسعر بن كدام، فقال: بل قول كثير " من الطويل ":
وما أنصفت أما النساء فبغضت ... إلينا وأما بالنوال فضنت
قال: ودخلت على محمد بن سيرين، وقد خدرت رجلاه، وقد نقعهما في الماء وهو يتمثل بقول قيس بن ذريح " من الطويل ":
إذا خدرت رجلي تذكرت من لها ... فناديت لبنى باسمها ودعوت
دعوت التي لو أن نفسي تطيعني ... لألقيت نفسي نحوها فقضيت
فقلت: يا أبا بكر، أتنشد مثلها؟ فقال: يالكع، إنما هو كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح! وقال: قال لي السفاح: بأي شيء بلغ حسنكم مابلغ؟ قال: قلت: ياأمير المؤمنين، جمع كتاب الله وهو ابن اثنتي عشرة سنة؛ فلم يجاوز سورة إلى غيرها حتى يعرف تأويلها وفيما أنزلت، ولم يقلب درهماً في تجارة، ولم يل لسلطان إمارة، ولم يأمر بشء حتى يدعه. فقال: بهذا بلغ الشيخ.
وقال أبو بكر الهذلي: اجتمعنا عند أبي لعباس السفاح، ولم يكن من أهل البصرة غيري، وكان من أهل الكوفة محمد بن عبد الرحمان بن أبي ليلى والحجاج بن أرطاة، وحضر الحسن بن زيد. فذكروا أهل البصرة وأهل الكوفة، فقال ابن أبي ليلى: نحن والله، ياأمير المؤمنين. أكثر منهم خراجاًوأوسع أنهاراً. فقال السفاح: ذاك إن رضي أبو بكر. قال: قلت: معاذ الله! وكيف يكون ذلك ولنا السند والهند، وكرمان ومكران، والقرض والفرض، والديار وسعة الانهار؟! فقال ابن أبي ليلى: نحن أكثر منهم فقها، وأغزر علماً، مقر بذلك أهل البصرة لأهل الكوفة، كما أقرّ أهل مكة لأهل المدينة. فقال أبو بكر: هم أكثر أنبياء وأقل أتقياء وأعظم كبرياء، منهم المغيرة الخبيث السريرة وبيان وأبو بيان، وتنبت فيهم الأنبياء، والله ما أتانا إلا نبي واحد صلى الله عليه وسلم، والله ما رأيت بلداً قط أكثر نبياً مصلوباً ولا رأساً مضروباً من أهل الكوفة. فقال الحسن بن زيد: أنتم أصحاب عليّ يوم سرتم إليه لتقتلوه. فقال أبو بكر: نحن والله أصحاب عليّ يوم سرنا إليه لنقتله، فكف الله أيدينا وشوكتنا عنه وعن غيره، وسار إليه أهل الكوفة فقتلوه، فأينا أعظم ذنباً؟! فقال الحجاج بت أرطأة: لقد أخبرني بعض أشياخنا أن أهل البصرة كانوا يومئذ ثلاثين ألفا، فلما ألتقت حلقتا البطان وتناهد النهدان وأخذت الرجال أقرانها فما كانوا إلا كرماد في يوم عاصف. فقال أبو بكر: كيف يكون ذلك وخرجت ربيعة سامعة مطيعة تعين علياً، وخرج الأحنف بن قيس في سعد والرباب وهم السنام الأعظم والجمهور الأكبر يعين علياً؟! ولكن سل هؤلاء كم كان عدتنا يوم استعانوا بنا! فلما التقت حلقتا البطان وتناهد النهدان وأخذت الرجال أقرانها شدخنا منهم في صعيد واحد سبعة آلاف نقتلهم قتل الحمنانن! - يعني القردان الصغار. فقال أبن ابي ليلى: نحن أشرف منهم أشرافا، وأذكر منهم أسلافا، مقر بذلك أبو بكر! فقلت: معاذ الله! هل كان في تميم الكوفة مثل الأحنف ابن قيس في تميم البصرة يقول له الشاعر " من الوافر ":
إذا الأبصار أبصرت ابن قيس ... ظللن مهابة منه خشوعا
وهل كان في قيس الكوفة مثل قتيبة بن مسلم في قيس البصرة الذي يقول فيه الشاعر " من الخفيف ":
كل عام يحوي قتيبة نهبا ... ويزيد الأموال مالا جديدا
دوخ السغد بالقنابل حتى ... ترك السغد بالعراء قعودا
باهلي قد عصب التاج حتى ... شبن منه مفارق كن سودا
وهل كان في أزد الكوفة مثل المهلب في أزد البصرة الذي يقول له الشاعر " من الطويل ":
إذا ما خشينا من أمير ظلامة ... أمرنا أبا غسان يوماً فعسكرا
وهل كان في بني قيس الكوفة مثل الحكم بن المنذر بن الجارود في قيس البصرة الذي يقول له الشاعر " من الرجز "؟