للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان الخليل منفطعاً إلى الليث بن رافع بن نصر بن سيار صاحب خراسان، وكان من أكتب الناس وكان بارع الادب وكان كاتباً للبرامكة. فأراد الخليل ان يهدي له هدية، فعلم أن المال والاناث لا يقعان عنده موقعاً، فصنف له كتاب العين الي لم يوضع مثله. فوقع عنده موقعاً جسيماً، وحفظ نصفه. وكانت له بنت عم تحته عاقلة، فأبتاع جارية بارعة الجمال، فبلغها ذلك فنالتها عليه غيرة، فقالت: لاغظينه! وعمدت إلى الكتاب فأحرقته لعلمها بإعجابه به. فطلب الليث الكتاب. فطلب نسخة للكتاب، فأعوزته لأن الخليل كان قد خصه به. فأستدرك النصف من حفظة وجمع على النصف الباقي أدباء زمانه، فمثلوا على النصف الأول ولم يلحقوا، فالنصف الأخير الذي في أيدي الناس ليس من تصنيف الخليل.

وهو أول من جمع الحروف في بيت فقال " من البسيط ":

صف خلق خودٍ كمثل الشمس إذ بزغت ... يحظى الضجيع بها نجلاء معطار

وله ثلاثة أبيات على قافية واحدة وهي " من السريع ":

يا ويح قلبي من دواعي الهوى ... إذ رحل الجيران عند الغروب

أتبعتهم طرفي وقد أمعنوا ... ودمع عيني كفيض الغروب

بانوا وفيهم طفلةٌ حرةٌ ... تفتر عن مثل أقاحي الغروب

وقال " من المتقارب ":

كفاك لم تخلقا للندى ... ولم يكُ بخلهما بدعه

فكفٌ عن الخير مقبوضةٌ ... كما نقصت مائة سبعه

وكفٌّ ثلاثة آلافها ... وتسعٌ مئيها لها شرعه

وهذا مما أبدع فيه الخليل ولم يسبق إليه أنه وصف انقباض اليدين بحالين من الحساب مختلفتين في القدر متشاكلين في الصورة وهما ثلاثة وتسعون وتسعمائة وثلاثة آلاف. - وأنشد المبرد لغيره في معناه " من الوافر ":

وما تسعون تخفرها ثلاث ... يشدُّ بعقدها رجلٌ شديدُ

بكفٍ حزقةٍ جمعت لوجءٍ ... بأنكد من عطائك يا يزيد

وقال الخليل على وزن فَعْلُنْ فَعْلُنْ " من المتدارك ":

يعدو عمرو يستنهي من ... زيدٍ عند الفضل القاضي

فانهوا عمراً إني أخشى ... صول الليث العادي الماضي

ليس المرءُ الحامي أنفاً ... مثل المرءِ الصتْم الراضي

وقال على وزن فَعِلُنْ فَعِلُن " من المتدارك ":

سُئلوا فأبوا فلقد بخلوا ... ولبئس لعمرك ما فعلوا

أبكيت على طلل طرباً ... فشجاك وأحزنك الطلل

وقال: إن لم تعلم الناس ثوابا فعلمهم لتدرس بتعليمهم ما عندك! ولا تجزع ممن يقرع السؤال فإنه ينبهك على علم ما لم تعلم! وقال: العلوم أقفال والسؤالات مفاتيحها.

وقال: أخرج من منزلي فألقي رجلاً من أربعة رجال: رجلاً أعلم مني فهو يوم فائدتي، أو رجلاً مثلي فهو يوم مذاكرتي، أو رجلاً متعلماً فهو يوم ثوابي وأجري، أو رجلاً دوني في الحقيقة وهو يرى أنه فوقي وهو يحاول أن يتعلم مني وكأنه يعلمني، فذاك الذي لا أكلمه ولا أنظر إليه. - وقال " من البسيط ":

العلم يذكي عقولاً حين يصحبها ... وقد يزيدها طول التجاريب

وذو التأدب في الجهال مغترب ... يرى ويسمع ألوان الأعاجيب

وقال: الرجال أربعة: فرجلُ يدري ويدري أنه يدري فذاك عالم، فاتبعوه! ورجل يدري ولا يدري أنه يدري فذاك ناس، فأذكروه! ورجلُ لايدري ويدري أنه لايدري فذاك جاهل، فعلموه! ورجلٌ لايدري ولايدري أنه لايدري فذاك مائق، فاحذروه! - وقال " من السريع ":

ما أتسعت أرض إذا كان من ... تبغض في شئ من الأرض

وله " من الطويل ":

ربَّ امري يجري ويدري بأنه ... إذا كان لايدري جهول بما يجري

وتجري ولاتدري بأنك من عمى ... لأنك لاتدري بأنك لاتدري

وقال أبو عثمان الناجم: أنشدنا الناشئ لنفسه في داود بن علي الإصبهاني " من الطويل ":

أقول كما قال الخليلُ بن أحمد ... وإن شتَّ ما بين النظامين في الشعر

عذلت على مالو علمت بقدره ... بسطت مكان العذل واللوم من عذري

جهلت ولم تعلم بأنك جاهل ... فمن لي بأن تدري بأنك لاتدري

وقال " من البسيط ":

اعمل بعلمي وإن قصرت في عملي ... ينفعك علمي ولا يضررك تقصيري

<<  <   >  >>