للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مولى بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، وهو من السغد الذين سباهم قتيبة بن مسلم الباهلي، فوهبهم سلم بن قتيبة لبلال بن أبي بردة. - أخذ النحو عن عيسى بن عمر واللغة عن أبي عمرو بن العلاء، ولم ير أحدٌ أعلم بالشعر والشعراء منه. ومما نسب من شعره إلى تأبط شراً " من المديد ":

إن بالشعب الذي دون سلع ... لقتيلاً دمه ما يُطل

القصيدة. - ومر خلف باليزيدي، فقال له: يا أبا محرز، ما معنى قول الشاعر " من الكامل "؟

وإذا انتشيت فإنني ... ربُّ الخورنق والسدير

وإذا صحوت فإنني ... ربُّ الشويهة والبعير

فقال له خلف " من الكامل ":

وإذا انتشيت فإنني ... ربُّ الحريبة والرميح

وإذا صحوت فإنني ... ربُّ الدوية واللويح

يعرض باليزيدي أنه معلم. - قال الأصمعي: قرأت على خلف شعر جرير، فلما بلغت قوله " من الطويل ":

ويومٍ كإبهام القطاة محبب ... إليّ هواه غالبُ لي ماطله

رزقنا به الصيد الغرير ولم نكن ... كمن نبله محرومة وحبائله

فيالك يوماً خيره قبل شره ... تغيب واشيه وأقصر عاذله

فقال: ويله! وما ينفعه خير يؤول إلى شر؟ فقلت له: كذا قرأته على أبي عمرو، فقال لي: صدقت وكذا كان يجب أن يقول؟ قال: الأجود لو قال: " فيالك يوماً خيره دون شره "، فاروه هكذا! فقد كانت الرواة قديماً تصلح أشعار القدماء. فقلت: والله لاأرويه بعدها إلا هكذا. - وقال خلف: ما أحد بيَّن عن حقيقة الطيف إلا قيس بن الخطيم في قوله " من الكامل ":

ما تمنعي يقظي فقد تؤتينه ... في النوم غير مكدر محسوب

كان المنى بلقائها فلقيتها ... فلهوت من لهو امرئ مكذوب

ولا اتبعه حق الاتباع إلا ذو الرمة في قوله " من الطويل ":

إذا نحن عرسنا بأرض سرى لنا ... هوى لبسته بالقلوب اللوابس

نأت دار ميٍ أن تزار وزورها ... إذا مادجا الإظلام منَّا وساوس

وقرأ أبو نواس على خلف، وأمره أن يرثيه وهو حي، فرثاه أبو نواس، فلما سمعه خلف قال له: أنت أشعر الناس! وقال له مرة أخرى: يابني لشعرك فوق سنك. - وجاء رجلٌ إلى خلف فقال: إني قد قلت شعرا أحببت أن أعرضه عليك. قال: هات! فأنشده " من الكامل ":

رقد النوى حتى إذا انتبه الهوى ... بعث النوى بالبين والترحال

ياللنوى جدُّ النوى قطع النوى ... بالوصل بين ميامن وشمال

فقال له خلف: قولي، واحذر الشاة! فو الله لئن ظفرت بهذا الشعر لتجعله بعرا، على أني ما ظننت بك هذا كله.

وقال الأصمعي: حج قومٌ بالبصرة وقدموا، فأهدى إليهم خلف هدية فقصروا في ثوابه، فقال " من الوافر ":

سقى حجاجنا نوءُ الثريا ... على ماكان من لؤم وبخل

همُ شدّوا القباب وأحرزوها ... فلو زادوا لها باباً بقفل

وقد عدوا لنا شيئاً بشئٍ ... مقايضة له مثلا بمثل

فإن أهديت فاكهة وكبشاً ... وعشر دجائج بعثوا بنعل

ومسواكين طولهما ذراع ... وعشرٍ من صغار المقل خشل

فإن أهديت ذاك ليحملوني ... على نعل فدق الله رجلي

أناس مائهون لهم رواءٌ ... تغيم سماؤهم من غير وبل

إذا نسبوا فحي من قريش ... ولكنَّ الفعال فعال عُكْل

وقال ليحيى بن وردان وقد قدم من مكة فلم يهد إليه شيئاً " من البسيط ":

هلا أتيت بقمري أربيه ... أو ساق حرٍ إذا ما شئت غناني

فليس للبر والتقوى حججت ولا ... من خشية الله يايحيى بن وردان

كنت الخبيث إذا شدوا محاملهم ... أيام مكة أنت الفاسق الزاني

قال حبيب القاضي: خرجنا بسحرة نريد بعض الفقهاء ومعنا عباد بن صهيب، فجاء كلب حتى تشممه، ثم بال عليه، فقال خلف: كان هذا الكلب من قافة بني مدلج، وضع البول في موضعه!

<<  <   >  >>